يا أمير المؤمنين ، ما ندري ، أنخدع الناس أم يخدعوننا؟! فأجابه معاوية : كلّ مَنْ أردت خديعته فتخادع له حتّى تبلغ منه حاجتك ، فقد خدعته (١).
لقد جرّ معاوية ذيله على الخداع ، وغذّى به أهل مملكته حتّى نشأ جيل كانت هذه الظاهرة مِن أبرز ما عرف منه.
وعملت حكومة معاوية على إشاعة الانتهازية والوصولية بين الناس ، ولم يعد ماثلاً عند الكثيرين منهم ما جاء به الإسلام مِن إيثار الحقّ ونكران الذات. ومِن مظاهر ذلك التذبذب ما رواه المؤرّخون : أنّ يزيد بن شجرة الرهاوي قد وفد على معاوية ، وبينما هو مقبلٌ على سماع حديثه إذ أصابه حجَرٌ عاثر فأدماه ، فأظهر تصنعاً عدم الاعتناء به ، فقال له معاوية : لله أنت! ما نزل بك؟
ـ ما ذاك يا أمير المؤمنين؟
ـ هذا دم وجهك يسيل.
ـ إنّ حديث أمير المؤمنين ألهاني حتّى غمز فكري ، فما شعرت بشيء حتّى نبّهني أمير المؤمنين.
فبُهر معاوية وراح يقول : لقد ظلمك مَنْ جعلك في ألف مِن العطاء ، وأخرجك مِن عطاء أبناء المهاجرين وكماة أهل صفين. وأمر له بخمسمئة ألف درهم ،
__________________
(١) الكامل للمبرد ١ / ٣٠٥.