أبا خالدٍ دافعتَ عنّي عظيمةً |
|
وأدركتَ لحمي قبل أنْ يتبددا |
وأطفأت عنّي نارَ نعمان بعدما |
|
أغذّ لأمرٍ عاجزٍ وتجردا |
ولمّا رأى النعمان دوني ابن حرّة |
|
طوى الكشح إذ لمْ يستطعني وعرّدا (١) |
هذه بعض نزعات يزيد واتجاهاته ، وقد كشفت عن مسخه وتمرّسه في الجريمة ، وتجرّده مِنْ كلّ خُلُقٍ قويم. وإنّ مِنْ مهازل الزمن وعثرات الأيّام أنْ يكون هذا الخليعُ حاكماً على المسلمين ، وإماماً لهم.
وأوّل مَنْ تصدى لهذه البيعة المشؤومة أعورُ ثقيف المغيرة بن شعبة ، صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام (٢) ، وقد وصفه (بروكلمان) بأنّه رجلٌ انتهازي ، لا ذمة له ولا ذمام (٣) ، وهو أحد دهاة العرب الخمسة (٤) ، وقد قضى حياته في التآمر على الأُمّة ، والسعي وراء مصالحه الخاصة.
أمّا السبب في دعوته لبيعة يزيد ـ فيما يرويه المؤرّخون ـ فهو أنّ معاوية أراد عزله مِن الكوفة ليولّي عليها سعيد بن العاص (٥) ، فلمّا بلغه ذلك سافر إلى دمشق ليقدّم استقالته مِن منصبه حتّى لا تكون حزازة عليه في عزله ، وأطال التفكير في أمره ، فرأى أنّ خير وسيلة لإقراره في منصبه
__________________
(١) ديوان الأخطل / ٨٩.
(٢) مِن موبقات المغيرة أنّه أوّل مَنْ رُشِيَ في الإسلام كما يروي البيهقي ، كما أنّه كان الوسيط في استلحاق زياد بمعاوية.
(٣) تاريخ الشعوب الإسلامية ١ / ١٤٥.
(٤) تاريخ الطبري.
(٥) الإمامة والسياسة ٢ / ٢٦٢.