الأُمّة إلى بيعة يزيد كان حسن الظن به ؛ لأنّه لمْ يثبت عنده أي نقص فيه ، بل كان يزيد يدسّ على أبيه مَنْ يحسّن له حاله حتّى اعتقد أنّه أولى مِنْ أبناء بقية الصحابة كلّهم ؛ فإنْ كان معاوية قد أصاب في اختياره فله أجران ، وإنْ كان قد أخطأ فله أجر واحد ، وليس لأحدٍ بعد ذلك أنْ يخوض فيما وراء ذلك ؛ فإنّما الأعمال بالنّيات ، ولكلِّ امرئ ما نوى (١).
إنّ مِن المؤسف حقّاً أنْ ينبري هؤلاء لتبرير معاوية في اقترافه لهذه الجريمة النكراء التي أغرقت العالم الإسلامي بالفتن والخطوب! ومتّى اجتهد معاوية في فرض ابنه خليفة على المسلمين؟! فقد سلك في سبيل ذلك جميع المنعطفات والطريق الملتوية ، فأرغم عليها المسلمين ، وفرضها عليهم تحت غطاءٍ مكثّفٍ من قوة الحديد. إنّ معاوية لمْ يجتهد في ذلك وإنّما استجاب لعواطفه المترعة بالحنان والولاء لولده ، مِن دون أنْ يرعى أي مصلحةٍ للأُمّة في ذلك.
هؤلاء بعض المؤيدين لمعاوية في عقده البيعة ليزيد ، وهم مدفوعون بدافعٍ غريبٍ على الإسلام ، وبعيد كلّ البعد عن منطق الحقّ.
وشجب الحسن البصري بيعة يزيد وجعلها مِنْ جملة موبقات معاوية ، قال : أربع خصال كُنَّ في معاوية ، لو لمْ يكن فيه منهنَّ إلاّ واحدة لكانت موبقة : ابتزاؤه على هذه الأُمّة بالسّفهاء حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلاف ابنه بعده سكّيراً خمّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زياد وقد
__________________
(١) سيد شباب أهل الجنّة الحسين بن علي (عليه السّلام) / ٢٠٨.