واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.
ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.
وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد