ومرض معاوية وتدهورت صحته ، ولمْ تُجْدِ معه الوصفات الطيبة ، فقد تناهبت جسمه الأمراض ، وقد شعر بدنوّ أجله ، وكان في حزن على ما اقترفه في قتله لحِجْرِ بن عَدِي ، فكان ينظر إليه شبحاً مخيفاً ، وكان يقول :
ويلي مِنكَ يا حِجْر! إنّ لي مع ابن عَدِي ليوماً طويلاً (١) ، وتحدّث الناس عن مرضه ، فقالوا : إنّه الموت ، فأمر أهله أنْ يحشوا عينيه أثمداً ، ويسبغوا على رأسه الطيب ويجلسوه ، ثمّ أذن للناس فدخلوا وسلّموا عليه قياماً ، فلمّا خرجوا مِنْ عنده أنشد قائلاً :
وتجلُّدي للشامتين أريهمُ |
|
أنّي لريبِ الدهرِ لا اتضعضعُ |
فسمعه رجل مِن العلويِّين فأجابه :
وإذا المنيّةُ أنشبتْ أظفارَها |
|
ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ (٢) |
ولمّا ثقل حال معاوية عهد بوصيته إلى يزيد ، وقد جاء فيها : يا بُني ، إنّي قد كفيتك الشرّ والترحال ، ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء ، وأخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لمْ يجمعه أحدٌ ، فانظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك وأكرم مَنْ قدم عليك منهم وتعاهد مَنْ غاب ، وانظر أهل العراق فإنْ سألوك أنْ تعزل كلّ يوم عاملاً فافعل ؛ فإنّ عزل عامل
__________________
(١) الفتنة الكبرى ٢ / ٢٤٥.
(٢) حياة الحيوان للدميري ١ / ٥٩.