وأقبلت عليه بعض عمّاته وهي شاحبة اللون ، فقالت بنبرات منقطّعة بالبكاء : لقد سمعت هاتفاً يقول :
وإنّ قتيلَ الطفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ |
|
أذلّ رقاباً مِنْ قريشٍ فذلّتِ |
وجعل الإمام (عليه السّلام) يُهدِّئ أعصابها ويأمرها بالخلود إلى الصبر ، كما أمر سائر السيّدات مِنْ بني عبد المطّلب بذلك (١).
وفزع محمّد بن الحنيفة إلى الحُسين ، فجاء يتعثّر في خطاه وهو لا يُبصر طريقه مِنْ شدّة الحزن والأسى ، ولمّا استقر به المجلس أقبل على الحُسين فقال له بنبرات مشفوعة بالإخلاص والحنوّ عليه : يا أخي ، فدتك نفسي ، أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست والله ، أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها مِنك ؛ فإنّك كنفسي وروحي وكبير أهل بيتي ، ومَنْ عليه اعتمادي وطاعته في عنقي ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك وجعلك مِنْ سادات أهل الجنّة ، وإنّي أُريد أنْ أُشير عليك برأيي فاقبله منّي.
لقد عبّر محمّد بهذا الحديث الرقيق عن عواطفه الفيّاضة المترعة بالولاء والإكبار لأخيه ، وأقبل عليه الإمام فقال له محمّد : أُشير عليك أن تتنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث برسلك إلى الناس ، فإنْ بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإنْ اجتمعوا على غيرك لمْ ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولمْ تذهب مروءتك ولا فضلك ، وإنّي أخاف عليك أنْ تدخل مصراً مِنْ هذه
__________________
(١) مقتل الحسين ـ للمقرم / ١٤٨.