واستشف النّبي (صلّى الله عليه وآله) مِنْ وراء الغيب ما يُمْنى به الإسلام مِن الأخطار الهائلة على أيدي الاُمويِّين ، وإنّه لا يمكن بأيّ حالٍ تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلاّ بتضحية ولده الإمام الحُسين (عليه السّلام) ؛ فإنّه هو الذي يكون الدرع الواقي لصيانة الإسلام ، فعهد إليه بالتضحية والفداء.
وقد أدلى الحُسين بذلك حينما عدله المشفقون عليه مِن الخروج إلى العراق ، فقال (عليه السّلام) لهم : «أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأمرٍ وأنا ماضٍ إليه».
ويقول المؤرّخون : إنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) كان قد نعى الحُسين إلى المسلمين وأحاطهم علماً بشهادته وما يعانيه مِنْ أهوال المصائب ، وكان ـ باستمرار ـ يتفجّع عليه ويلعن قاتله ، وكذلك أخبر الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بشهادته وما يجري عليه ، وقد ذكرنا في الحلقة الأولى مِنْ هذا الكتاب الأخبار المتواترة بذلك.
وكان الإمام الحُسين (عليه السّلام) على علم وثيق بما يجري عليه ، فقد سمع ذلك مِنْ جدّه وأبيه وقد أيقن بالشهادة ، ولمْ يكن له أيّ أمل في الحياة ، فمشى إلى الموت بعزم وتصميم امتثالاً لأمر جدّه الذي عهد إليه بذلك.
ومِنْ أوثق الأسباب التي ثار مِنْ أجلها أبو الأحرار هو العزّة والكرامة ، ققد أراد الاُمويّون إرغامه على الذلّ والخنوع ، فأبى إلاّ أنْ يعيش عزيزاً تحت ظلال السيوف والرماح ، وقد أعلن سلام الله عليه ذلك يوم الطفّ بقوله : «ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ،