وترك حرم جدّه ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فأخبرني أنّ عمّالك بالمدينة أساؤا إليه ، وعجّلوا عليه بالكلام الفاحش فأقبل إلى حرم الله مستجيراً به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ولنْ أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ بها النائرة ، ويخمد بها الفتنة ، ويحقن بها دماء الأُمّة.
فاتّقِ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنَ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ولا تحقّر له مهراة (١) ، فكم مِنْ حافر لغيره حفراً وقع فيه ، وكم مِنْ مؤمّل أملاً لمْ يؤت أمله ، وخذْ بحظّك مِنْ تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ؛ فإنّ كلّ ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكلّ ما اشتغلت به مِنْ أسباب الآخرة ينفع ويبقى. والسلام (٢).
وحفلت هذه الرسالة بما يلي :
١ ـ أنّه لا علاقة لبني هاشم بابن الزّبير ولا هم مسؤولون عن تصرفاته ؛ فقد كان عدواً لهم يتربص بهم الدوائر ويبغي لهم الغوائل.
٢ ـ أنّ الإمام الحُسين إنّما نزح مِنْ يثرب إلى مكّة لا لإثارة الفتنة ؛ وإنّما لإساءة عمّال يزيد له ، وقد قدم إلى مكّة ليستجير ببيتها الحرام.
كان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والياً على يثرب بعد عزل مروان عنها ، وكان فيما يقول المؤرّخون فطناً ذكيّاً ، يحب العافية ويكره الفتنة ، ولمّا امتنع الإمام الحُسين (عليه السّلام) مِن البيعة ليزيد لمْ يتّخذ معه
__________________
(١) المهراة : الحفرة.
(٢) تذكرة الخواصّ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠ ، تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٠.