كلاب الحوأب ، وإيّاكِ أنْ تكوني أنتِ يا حميراء» (١).
ـ تقدّمي رحمك الله ودعِ هذا القول.
فلمْ تبرح مِنْ مكانها ، وطاقت بها الهموم والآلام ، وأيقنت بضلالة قصدها ، وذعرت القيادة العسكرية مِنْ توقّف عائشة التي اتّخذوها قبلة لهم يغرون بها السذّج والبسطاء ، فخفّوا إليها في دهشة قائلين : يا أُمّه! فقطعت عليهم الكلاب وراحت تقول بنبرات ملؤها الأسى والحزن : أنا والله صاحبة كلاب الحوأب ... ردّوني ردّوني.
وأسرع إليها ابن اُختها عبد الله بن الزبير كأنّه ذئب فانهارت أمامه ، واستجابت لعواطفها ، ولولاه لارتدّت على عقبيها إلى مكة ، فجاء لها بشهود اشترى ضمائرهم فشهدوا عندها أنّه ليس بماء الحوأب ، وهي أوّل شهادة زور تُقام في الإسلام (٢). فأقلعت عن فكرتها ، وأخذت تقود الجيوش لحرب وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وباب مدينة علمه.
ودهمت جيوش عائشة أهل البصرة فملئت قلوبهم ذعراً وفزعاً
__________________
(١) روى ابن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال يوماً لنسائه وهنّ جميعاً عنده : «أيتكنّ صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب ، يُقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار ، وتنجو بعدما كادت؟» ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٧ ، ابن كثير ٦ / ٢٩٧ ، ٢١٢ ، الخصائص ـ السيوطي ٢ / ١٣٧ ، الاستيعاب وجاء فيه : وهذا الحديث من أعلام نبوته (صلّى الله عليه وآله).
(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٤٧ ، تاريخ اليعقوبي.