غيّر الموتُ مِنْ لونهما ، وهذا الدم الذي ينضخ منهما ويسيل كلّ مسيل ، ثمّ منظر أسماء بن خارجة وهو يحتال في طُرقات الكوفة على دوابّه التي تتبختر به آمنا مطمئناً. ويسأل إلى متى سيظل هذا الرجل في أمنه وخيلائه ومِنْ حوله قبيلة القتيل تطالبه بالثار؟ فلا يجد أشدّ مِنْ طعنها في كرامتها ، فيقول لهم : إنْ لمْ تثأروا بقتيلكم فكونوا بغايا ببغي شرفهنَّ بثمنٍ بخس دراهم معدودات (١).
لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير فلمْ تفِ له حقوقه ؛ فتركته أسيراً بيد ابن مرجانة يمعن في إرهاقه مِنْ دون أنْ تحرّك ساكناً ، في حين أنّها كانت لها السيادة والسيطرة على الكوفة كما يرى ذلك فلهوزن.
وعلى أيّ حالٍ ، فقد كان لاعتقال هانئ الأثر الكبير في ذيوع الفزع والخوف في نفوس الكوفيين ممّا أدّى إلى تفرّق الناس عن مسلم وإخفاق الثورة.
ولمّا علم مسلم بما جرى على هانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد ؛ لعلمه بأنّه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً ، فأوعز إلى عبد الله بن حازم أنْ ينادي في أصحابه وقد ملأ بهم الدور ، فاجتمع إليه أربعة آلاف (٢)
__________________
(١) حياة الشعر في الكوفة إلى نهاية القرن الثاني للهجرة / ٤٦٣ ـ ٤٦٤.
(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٥ / ١٢٦ مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.