وعبيد الله بن العباس ، ولمّا مثلا عندها ذكّراها بما أمرها الله أنْ تقرّ في بيتها ، وأنْ لا تسفك دماء المسلمين ، وبالغا في نصيحتها ، ولو أنّها وعت نصيحتهما لعادت على الناس بالخير العميم ، وجنّبتهم كثيراً مِن المشاكل والفتن ، إلاّ أنّها جعلت كلامهما دبر أذنيها ، وراحت تقول لهم : إنّي لا أردّ على ابن أبي طالب بالكلام ؛ لأنّي لا أبلغه في الحِجاح (١).
وبذل الإمام (عليه السّلام) قصارى جهوده في الدعوة إلى السّلم وعدم إراقة الدماء ، إلاّ أنّ هناك بعض العناصر لمْ ترق لها هذه الدعوى ، وراحت تسعى لإشعال نار الحرب وتقويض دعائم السّلم.
ولمّا باءت بالفشل جميع الجهود التي بذلها الإمام (عليه السّلام) مِن أجل حقن الدماء ، ندب الإمام (عليه السّلام) أصحابه لرفع كتاب الله العظيم ودعوة القوم إلى العمل بما فيه ، وأخبرهم أنّ مَنْ يقوم بهذه المهمة فهو مقتول ، فلمْ يستجب له أحد سوى فتى نبيل مِن أهل الكوفة ، فانبرى إلى الإمام (عليه السّلام) وقال : أنا له يا أمير المؤمنين.
فأشاح الإمام (عليه السّلام) بوجهه عنه ، وطاف في أصحابه ينتدبهم لهذه المهمة فلمْ يستجب له أحد سوى ذلك الفتى ، فناوله الإمام (عليه السّلام) المصحف ، فانطلق الفتى مزهوّاً لمْ يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يلوح بالكتاب أمام عسكر عائشة قد رفع صوته بالدعوة إلى العمل بما فيه ، ولكنّ القوم قد دفعتهم الأنانية إلى الفتك به فقطعوا يمينه ، فأخذ المصحف بيساره وهو يناديهم بالدعوة إلى العمل بما فيه ، فاعتدوا عليه وقطعوا يساره ، فأخذ المصحف
__________________
(١) الفتوح ٢ / ٣٠٦.