بأسنانه وقد نزف دمه ، وراح يدعوهم إلى السّلم وحقن الدماء قائلاً : الله في دمائنا ودمائكم.
وانثالوا عليه يرشقونه بنبالهم فوقع على الأرض جثة هامدة ، فانطلقت إليه اُمّه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة :
يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهُمْ |
|
يتلو كتاب الله لا يخشاهُمْ |
فخضّبوا مِن دمه لحاهُمْ |
|
واُمّهم قائمةٌ تراهُمْ |
ورأى الإمام (عليه السّلام) بعد هذا الإعذار أنْ لا وسيلة له سوى الحرب ، فقال لأصحابه : «الآن حلّ قتالهم ، وطاب لكم الضراب» (١). ودعا الإمام (عليه السّلام) حضين بن المنذر وكان شاباً ، فقال له : «يا حضين ، دونك هذه الراية ، فو الله ما خفقت قط فيما مضى ، ولا تخفق فيما بقي راية أهدى منها إلاّ راية خفقت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)».
وفي ذلك يقول الشاعر :
لمَنْ رايةٌ سوداء يخفُقُ ظلُّها |
|
إذا قيل قدِّمها حُضينٌ تقدّما |
يُقدّمها للموت حتّى يزيرها |
|
حِياض المنايا تَقطرُ الموتَ والدما (٢) |
ولمّا استيأس الإمام (عليه السّلام) مِن السّلم عبّأ جيشه تعبئة عامّة ، وكذلك فعل أصحاب عائشة وقد حملوها على جملها (عسكر) ، واُدخلت هودجها المصفّح بالدروع ، والتحم الجيشان التحاماً رهيباً. يقول بعض المؤرّخين : إنّ
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٢٤٦.
(٢) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٨٠.