الكوفة في أيّام معاوية فقام في الناس وقال لهم : يا معشر أهل الكوفة ، أنتم أوّل مَنْ مررتم بنا كنتم خيار الناس ، فعمّرتم بذلك زمان عمر وعثمان ثمّ تغيّرتم ، وفشت فيكم خصال أربع : بخل وخبّ وغدر وضيق ، ولمْ يكن فيكم واحدة منهنّ فرافقتكم فإذا ذلك في مواليدكم ، فعلمت مِنْ أين أتيتم (١).
ويرى (دي بود) أنّ التغيّر الاجتماعي ، وتبدّل الأخلاق في الكوفة قد نشأ في وقت مبكّر أيّام معاوية بن أبي سفيان (٢) ، ومِن الطبيعي أنّ للأنباط ضلعاً كبيراً في هذا التغيير.
والعنصر الرابع الذي شارك في تكوين الكوفة هي السريانية ، فقد كانت منتشرة في العراق قبل الفتح الإسلامي ، وكان الكثيرون منهم مقيمين على حوض دجلة ، وبعضهم كان مقيماً في الحيرة والكوفة وقد ارتبطوا بأهل الكوفة وتأثّروا بعاداتهم وأخلاقهم ؛ فإنّ الحياة الاجتماعية ـ كما يقول علماء الاجتماع ـ حياة تأثير وتأثر ، فكلّ إنسان يتأثر ويؤثر فيمَنْ حوله.
هذه هي العناصر التي شاركت في استيطان الكوفة وبناء مجتمعها ، فهي لمْ تكن عربيةً خالصةً وإنّما امتزجت بها هذه العناصر ، وقد نشأت بينها المصاهرة ، فنشأ جيل مختلط مِنْ هذه العناصر ولكنْ التغلّب الجنسي كان للعرب ؛ باعتبارهم الأكثرية الساحقة في القطر ، فقد أصبحت التقاليد
__________________
(١) تاريخ الطبري.
(٢) تاريخ الفلسفة في الإسلام / ١٥ ـ ١٨.