إطفاء ما دثر بينكم ، وتسهيل ما توعّر عليكم ؛ ألا إنّ الحرب شرّها ذريع ، وطعمها فظيع ، فمَنْ أخذ لها أهبتها ، واستعدّ لها عدّتها ، ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ، ومَنْ عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ألاّ ينفع قومه ، وأن يهلك نفسه. نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة» (١).
وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى استعجال الحرب ، واستعداد الشام لها ، والإمعان في وسائلها ؛ فإنّ ذلك من موجبات النصر ، ومن وسائل التغلب على الأعداء ، وإنّ إهمال ذلك ، وعدم الاعتناء به ممّا يوجب الهزيمة والاندحار. ودلّ هذا الخطاب على خبرة الإمام (عليه السّلام) الواسعة في الشؤون العسكرية والحربية.
وتهيّأ الناس بعد خطاب سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الحرب ، وأخذوا يجدّون في تنظيم قواهم ، ولمّا تمّت عدّتهم زحف بهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لحرب ابن أبي سفيان ، وقد قدم طلائعه ، وأمرهم أنْ لا يبدؤوا أهل الشام بقتال حتّى يدركهم.
وزحفت كتائب الجيش العراقي كأنّها السيل ، وهي على يقين أنّها إنّما تحارب القوى الباغية على الإسلام ، والمعادية لأهدافه. وقد جرت في أثناء مسيرة الإمام (عليه السّلام) أحداث كثيرة لا حاجة إلى إطالة الكلام بذكرها ، فإنّا لا نقصد بهذه البحوث أن نلمّ بها ، وإنّما نشير إليها بإيجاز.
ولمْ يجد أصحاب الإمام (عليه السّلام) شريعة على الفرات يستقون منها الماء إلاّ وهي
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ١٨٦.