ولمّا انقضى شهر محرّم مضى القوم على الحرب ، ولكنّها لم تكن عامة ، وإنّما كانت منقطعة تخرج الكتيبة للكتيبة ، والفرقة للفرقة.
وسئم الفريقان هذه الحرب المتقطّعة ، وتعجّلوا الحرب العامة ؛ فعبّأ الإمام (عليه السّلام) جيوشه تعبئة عامة ، وكذلك فعل معاوية ، والتحم الجيشان التحاماً رهيباً واقتتلوا أبرح قتال وأعنفه ، وانكشفت ميمنة جيش الإمام (عليه السّلام) انكشافاً بلغ الهزيمة ، فقاتل الإمام ومعه الحسن والحسين (عليهم السّلام) (١) ، وانحاز الإمام (عليه السّلام) إلى ميسرة جيشه من ربيعة فاستماتت ربيعة دونه (عليه السّلام) ، وكان قائلهم يقول : لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إنْ اُصيب أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو فيكم.
وتحالفت ربيعة على الموت وصمدت في الحرب ، ورجعت ميمنة الإمام (عليه السّلام) إلى حالها بفضل الزعيم مالك الأشتر ، واستمرت الحرب بأعنف ما يتصوّر ، وقد ظهر الضعف وبان الانكسار في جيش معاوية ، وهمّ معاوية بالفرار لولا أنّه تذكّر قول ابن الأطنابة :
أبت لي همّتي وأبى بلائي |
|
وإقدمي على البطلِ المُشيحِ |
وإعطائي على المكروهِ مالي |
|
وأخذي الحمدَ بالثَّمنِ الربيحِ |
وقولي كلّما جشأتْ وجاشتْ |
|
مكانك تَحمَدي أو تستريحي |
وقد ردّه هذا الشعر إلى الصبر والثبات ، كما كان يتحدّث بذلك أيّام المُلْك والسلطان.
ومنع الإمام (عليه السّلام) أمير المؤمنين سبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الاشتراك في عمليات الحروب ، فقال (عليه السّلام) : «املكوا عنّي هذين الغلامين ـ يعني
__________________
(١) أنساب الأشراف ١ ق ١.