تراضٍ منهما. وإنْ توفي أحد الحكمين فإنّ أمير الشيعة يختار مكانه ، ولا يألوا مِنْ أهل المعدلة والقسط ، وإنّ مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام ، وإنْ رضيا وأحبّا فلا يحضرهما فيه إلاّ مَنْ أرادا ، ويأخذ الحكمان مَنْ أرادا مِن الشهود ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة ، وهم أنصار على مَنْ ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيها إلحاداً وظلماً. اللّهم إنّا نستنصرك على مَنْ ترك ما في هذه الصحيفة (١).
ووقّع عليها طائفة مِن الفريقين ، وأصبحت نافذة المفعول ، وقد حقّقت آمال معاوية ، وأنقذته مِن الأخطار التي كادت أنْ تطوي حياته وتقضي على أتباعه.
والشيء المهم في هذه الوثيقة إنّها أهملت المطالبة بدم عثمان فلمْ تعرض لا بقليل ولا بكثير ، وإنّما كانت تنشد إيقاف الحرب ، ونشر السلم والعافية بين الفريقين ، وفيما أعتقد إنّها كُتِبَت ولم يكن للإمام (عليه السّلام) فيها أي رأي ، فقد خلّى بين جيشه وبين ما يريدون.
وغادر الإمام صفّين متّجهاً إلى الكوفة ، ولا أعتقد أنْ يلمّ كاتب بتصوير المحنة الكبرى التي ألمّت بالإمام ، فقد رجع مثقلاً بالهموم ، يرى باطل معاوية قد استحكم ، وأمره قد تمّ ، وينظر إلى جيشه أصبح متمرّداً يدعوه فلا يستجيب ، ويأمره فلا يطيع ، قد مزّقت الفتنة جميع كتائبه ، فقد كانوا فيما يقول المؤرّخون : يتشاتمون ويتضاربون بالسياط ، ويبغي بعضهم على بعض. وأخطر ما حدث فيه انبثاق الفكرة الحروريّة التي سنتحدث
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٠.