ذلك وأنت مقبل العمر ، ومقتبل الدّهر ، ذو نيّة سليمة ونفس صافية ، وأن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه وتأويله ، وشرائع الاسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، [و] لا أجاوز لك إلى غيره (١) ، ثمّ أشفقت (٢) أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الّذى التبس عليهم (٣) ، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إلىّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (٤) ، ورجوت أن يوفّقك اللّه لرشدك ، وأن يهديك لقصدك ، فعهدت إليك وصيّتى هذه.
واعلم ، يا بنىّ ، أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إلىّ من وصيّتى ، تقوى اللّه والإقتصار على ما فرضه اللّه عليك ، والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك والصّالحون من أهل بيتك ، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر (٥) ، وفكّروا كما أنت مفكّر ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا
__________________
(١) لا أتعدى بك كتاب اللّه إلى غيره ، بل أقف بك عنده
(٢) «أشفقت» أى : خشيت وخفت
(٣) «مثل» : صفة لمفعول مطلق محذوف ، أى : التباسا مثل الذى كان لهم.
(٤) أى : إنك وإن كنت تكره أن ينبهك أحد لما ذكرت لك فانى أعد إتقان التنبيه على كراهتك له أحب إلى من إسلامك ـ أى : إلقائك ـ إلى أمر تخشى عليك به الهلكة.
(٥) لم يتركوا النظر لأنفسهم فى أول أمرهم بعين لا ترى نقصا ولا تحذر خطرا