والامساك عمّا لم يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم ، لا بتورّط الشّبهات ، وعلوّ الخصوصيّات (١) وابدأ ـ قبل نظرك فى ذلك ـ بالاستعانة بالهك ، والرّغبة إليه فى توفيقك ، وترك كلّ شائبة أولجتك فى شبهة (٢) ، أو أسلمتك إلى ضلالة ، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع ، وتمّ رأيك فاجتمع ، وكان همّك فى ذلك همّا واحدا ، فانظر فيما فسّرت لك ، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك وفراغ نظرك وفكرك ، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء (٣) ، وتتورّط الظّلماء ، وليس طالب الدّين من خبط أو خلط! والإمساك عن ذلك أمثل (٤). فتفهّم ، يا بنىّ ، وصيّتى ، واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، وأنّ الخالق هو المميت ، وأنّ المفنى هو المعيد ، وأنّ المبتلى هو المعافى ، وأنّ الدّنيا لم تكن
__________________
ثم ردتهم آلام التجربة إلى الأخذ بما عرفوا حسن عاقبته وإمساك أنفسهم عن عمل لم يكلفهم اللّه إتيانه
(١) يروى «وعلو الخصومات»
(٢) الشائبة : ما يشوب الفكر من شك وحيرة ، وأولجتك : أدخلتك
(٣) العشواء : الضعيفة البصر : أى : تخبط خبط الناقة العشواء : لا تأمن أن تسقط فيما لا خلاص منه ، وتورط فى الأمر : دخل فيه على صعوبة فى التخلص منه
(٤) حبس النفس عن الخلط والخبط فى الدين أحسن.