أوّليّة (١) وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيّته باحاطة قلب أو بصر ، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغى لمثلك أن يفعله فى صغر خطره (٢) وقلّة مقدرته ، وكثرة عجزه ، وعظيم حاجته إلى ربّه ، فى طلب طاعته ، والخشية من عقوبته ، والشّفقة من سخطه ، فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ، ولم ينهك إلاّ عن قبيح.
يا بنىّ ، إنّى قد أنبأتك عن الدّنيا وحالها ، وزوالها وانتقالها ، وأنبأتك عن الآخرة وما أعدّ لأهلها [فيها] ، وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها ، وتحذو عليها! إنّما مثل من خبر الدّنيا (٣) كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأمّوا منزلا خصيبا ، وجنابا مريعا ، فاحتملوا وعثاء الطّريق (٤) ، وفراق الصّديق ، وخشونة السّفر ، وجشوبة المطعم ، ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم ، فليس يجدون لشىء من ذلك ألما ، ولا يرون نفقة [فيه] مغرما ، ولا شىء أحبّ
__________________
(١) فهو أول بالنسبة إلى الأشياء لكونه قبلها ، إلا أنه لا أولية ـ أى : لا ابتداء ـ له
(٢) خطره : قدره
(٣) خبر الدنيا : عرفها كما هى بامتحان أحوالها ، والسفر ـ بفتح فسكون ـ : المسافرون ، ونبا المنزل بأهله : لم يوافقهم المقام فيه لوخامته ، والجديب : المقحط لا خير فيه ، وأموا : قصدوا ، والجناب : الناحية ، والمريع ـ بفتح فكسر ـ : كثير العشب.
(٤) وعثاء السفر : مشقته ، والجشوبة ـ بضم الجيم ـ : الغلط ، أو كون الطعام بلا أدم.