واعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة (١) ومشقّة شديدة. وأنّه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد (٢) ، وقدّر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالا عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه (٣) وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واغتنم من استقرضك فى حال غناك ليجعل قضاءه لك فى يوم عسرتك واعلم أنّ أمامك عقبة كئودا (٤) المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل والبطىء عليها أقبح حالا من المسرع ، وأنّ مهبطك بها لا محالة على جنّة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك (٥) ، ووطّىء المنزل قبل حلولك ، فليس بعد الموت مستعتب (٦) ، ولا إلى الدّنيا منصرف
__________________
(١) هو طريق السعادة الأبدية.
(٢) الارتياد : الطلب ، وحسنه : إتيانه من وجهه ، والبلاغ ـ بالفتح ـ الكفاية
(٣) الفاقة : الفقر ، وإذ أسعفت الفقراء بالمال كان أجر الاسعاف وثوابه ذخيرة تنالها فى القيامة ، فكأنهم حملوا عنك زادا يبلغك موطن سعادتك يؤدونه إليك وقت الحاجة ، وهذا الكلام من أفصح ما قيل فى الحث على الصدقة
(٤) كئودا : صعبة المرتقى شاقة المصعد ، والمخف ـ بضم فكسر ـ : الذى خفف حمله ، والمثقل : بعكسه ، وهو من أثقل ظهره بالأوزار
(٥) ابعث رائدا من طيبات الأعمال توقفك الثقة به على جودة المنزل
(٦) المستعتب والمنصرف : مصدران ، والاستعتاب : الاسترضاء ، ولا انصراف إلى الدنيا بعد الموت حتى يمكن استرضاء اللّه بعد إغضابه باستئناف العمل