نقدر على الفرض ان رسول الله صلىاللهعليهوآله ها هو امام كل مسلم من امته يراه بعينه ويسمعه باذنه قائلاً له : « لاتدع تمثالاً إلا طمسته ، ولاقبراً مشرفاً إلاسويته » بناءً على صحّة كل ما ورد في الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ إذ هذا الفرض ـ وان كنا لانقول به ـ ولكن نجعله من الاصول الموضوعة بيننا ـ اعني به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومة ـ ومعلوم ان المتخاصمين إذا لم يكن فيما بينهما اصول موضوعة ينتهون إليها ، ويقفون عندها ، لاتكاد تنتهي سلسلة النزاع بينهما والتخاصم طول الابد ، وعمر الدهر ، إذاً فنحن على سبيل المجاراة والمساهمة مع الخصم نقول بصحة ذلك الحديث ، كما يلزمنا معاً ان نقول بصحة غيره من احاديث الصحيحين فها هو النبي صلىاللهعليهوآله يقول : « لاتدع قبراً مشرفاً إلاسويته » ، كما رواه مسلم ، ـ ولكنه يقول حسب روايته ايضاً : « فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ... » ، و « استأذنت ربي في زيارة امي فأذن لي » ... وقد زار هو قبور البقيع ... وفي البخاري عقد باباً لزيارة القبور وحينئذ ـ فهل هذه الاحاديث متعارضة متناقضة؟! النبي الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى يأمر بهدم القبور ... ويأمر بزيارتها ... يأمر بهدمها ثم هو يزورها ...
فإن كان المقام من باب تعارض الاحاديث واختلاف الروايات وجب الجمع بينهما لا محالة ، على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد ، وطريقة الاستنباط ، وقواعد الفن المقررة في الاصول ، بحمل الظاهر على الاظهر ، وتأويل الضعيف من المتعارضين وصرفه الى المعنى الموافق للقوي ، فيكون القوي قرينة على التصرف في الضعيف ، وإرادة خلاف ظاهره منه كما يعرفه ارباب هذه الصناعة ، فهل المقام من هذا القبيل؟!
كلا ثم كلا ، ومهلاًُ مهلاً : ان هذه الساقية ليست من ذلك النبع ، وتلك القافية ما هي من ذلك السجع ؛ وليس المقام من باب التعارض كي يحتاج الى التأويل والجمع.
ما كنت احسب ان ادنى من له حظ من فهم التراكيب العربية