ومئونة النقل حينئذٍ من الزكاة (١)
______________________________________________________
اليأس ، فلا بدّ من النقل مقدّمةً لأداء الواجب.
وأمّا الاستدلال لذلك بصحيحة ضريس المتقدّمة ففي غير محلّه ، إذ الظاهر من قول السائل : ففي من نضعها ، أنّه عازم على الدفع إلى الفقير ولا يريد الصرف في سائر المصارف ، فالأمر بالنقل في هذه الحالة إرشاد إلى طريق يوصل السائل إلى مطلوبه ، لأنّه حكم تكليفي مولوي ليدلّ على الوجوب ، كيف؟! ولو أُريد ذلك للزم التقييد باليأس عن الفقير وبتعذّر مصرف آخر ، ومن البيّن أن ذينك التقييدين يستوجبان حمل الصحيحة على الفرد النادر جدّاً ، إذ ليت شعري كيف يمكن فرض بلدٍ لا يوجد ولا يرجى فيه لا المستحقّ ولا مصرف آخر حتّى سهم سبيل الله مع أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق كما تقدّم؟! ولو كان فهو من الندرة بمكان ، ولازمه ما عرفت من الحمل على النادر المستهجن.
هذا ، ومع الغضّ وتسليم إمكان التقييد من غير محذور فيه فالإطلاق من هذه الناحية معارض بالإطلاق الذي تبتني عليه دلالة الأمر على الوجوب ، حيث قد ذكرنا في محلّه أنّها لم تكن وضعيّة بل بالإطلاق ، أي السكوت في مقام البيان وعدم نصب قرينة على جواز الترك ، حيث ينتزع العقل من ذلك اتّصاف الطلب بالوجوب ، وبما أنّه يمتنع الجمع بين الإطلاقين بأن يلتزم بوجوب النقل حتّى مع رجاء الوجدان وإمكان الصرف في جهة أُخرى ، إذ لم يقل به أحد ولا يمكن القول به كما سبق ، فلا جرم يدور الأمر بين رفع اليد عن الأوّل بحمل الأمر على الإرشاد حسبما عرفت وبين تقييد مورد الصحيحة باليأس وامتناع الصرف ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فلا محالة تصبح الرواية مجملة وغير صالحة للاستدلال بها ، فالعمدة في الاستدلال ما عرفت ، فلاحظ.
(١) الظاهر أنّ هذه المسألة غير محرّرة في كلمات أكثر الفقهاء ، فإنّهم وإن تعرّضوا لمئونة الكيل والوزن لكن مئونة النقل مهملة وغير معنونة.