.................................................................................................
______________________________________________________
الثاني : أن الضد منهي عنه ولو بالنهي التبعي وإن حكمنا بصحته من جهة المحبوبية الذاتية إلّا أنه لا منافاة بين المحبوبية الذاتية والمبغوضية الفعلية الناشئة عن النهي التبعي ، فإذا كان العمل مبغوضاً شرعاً لا يصح تعلق الإجارة به ، لأنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه وإن كانت الحرمة تبعية.
ويرد على الأوّل : أنّ القدرة التكوينية حاصلة وجداناً والنهي الشرعي لا ينفي القدرة التكوينية ، وإن أُريد من عدم القدرة عدم القدرة الشرعية باعتبار تعلق النهي به وأن الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً ففيه : أن القدرة الشرعية حاصلة أيضاً بالأمر الطولي الترتبي ، ولو لم يكن مقدوراً أصلاً لما تعلق به الأمر ، فالعمل بنفسه ليس بمنهي عنه وإنما وجب تركه مقدمة لواجب أهم.
وبما ذكرنا يظهر الجواب عن الوجه الثاني ، لما عرفت من أن الله لم يحرم هذا الشيء أي الضد وإنما أوجب تركه من باب وجوب المقدمة الموصلة ، وأما الرواية : «إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه» فقد ذكرنا في بحث المكاسب أنها ضعيفة السند وإن كان مضمونها صحيحاً ومطابقاً للقواعد ، لأن الشيء إذا كان محرّماً شرعاً لا تصح المعاملة عليه لعدم إمضاء الشارع المعاملة الواقعة على الحرام.
وبالجملة : مقتضى ما ذكره المصنف من ثبوت المحبوبية الذاتية للضد صحّة الإجارة الواقعة عليه.
ولكن الظاهر مع ذلك فساد الإجارة ، بيان ذلك : أن دليل نفوذ الإجارة بل كل عقد تابع لما ينشئه المُنشئ إن مطلقاً فمطلق وإن مشروطاً فمشروط ، فإن الحكم الصادر في المعاملات المستفاد من قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) إنما هو إمضاء لما صدر من المنشئ في الخارج ولا يخالفه إلّا في بعض الموارد كبيع السلم والصرف ، فإنّ المنشئ أنشأ على الإطلاق والشارع يقيده بلزوم القبض ، وكذلك الهبة فإنّ التمليك فيها يحصل بعد القبض ، وبالجملة : أدلّة نفوذ المعاملات حيث إنها أحكام إمضائية تابعة
__________________
(١) المائدة ٥ : ١.