.................................................................................................
______________________________________________________
فإن الاستطاعة المذكورة فيها هي القدرة والتمكن ، فالآية إرشاد إلى ما حكم به العقل ويكون الحجّ بمقتضى العقل والآية المباركة واجباً عند التمكّن والقدرة. نعم ، يرتفع وجوبه فيما إذا كان حرجياً ، لأنه منفي في الشريعة المقدّسة كسائر الواجبات الشرعية.
والحاصل : لو كنا نحن والعقل والآية الشريفة ، لكان حال الحجّ حال بقية الواجبات الإلهية من اعتبار القدرة فيه وارتفاع وجوبه عند الحرج.
هذا بحسب ما يقتضيه حكم العقل والآية ، وأما بحسب الروايات الواردة في المقام فالاستطاعة المعتبرة في الحجّ أخص مما يقتضيه العقل والآية ، حيث فُسرت الاستطاعة في جملة من الروايات بالزاد والراحلة ، ومن ثمّ وقع الخلاف في الاستطاعة المفسرة في الروايات ، فذهب جماعة من المتأخرين إلى أن اشتراط الزاد والراحلة مختص بصورة الاحتياج إليهما ، ولو كان قادراً على المشي من دون مشقة خصوصاً إذا كانت المسافة قريبة ، فلا يعتبر وجود الراحلة ، فالاستطاعة المذكورة في الروايات أُريد بها المعنى اللغوي ، وتخصيصها بالزاد والراحلة مطلقاً لا وجه له ، وإنما يُشترطان في حق المحتاج إليهما ، ويظهر من صاحب الوسائل اختيار هذا القول ، لأخذ الحاجة في عنوان أخبار المقام (١).
وذهب القدماء وجماعة من المتأخرين إلى أنهما معتبران مطلقاً حتى في حق من كان متمكناً من المشي وقادراً عليه من دون مشقة ، خصوصاً إذا كانت المسافة بعيدة ، فلو حجّ ماشياً من دون وجود الراحلة ، لا يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام وأما المصنف (قدس سره) فقد احتاط في المقام وإن قوى القول الثاني ، ولا ريب أن الاحتياط حسن على كل حال ، وإنما البحث فيما تقتضيه الأدلة.
ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات ، قيل : إن بعضها يدل على الاكتفاء بالتمكّن من المشي وعدم اعتبار وجود الراحلة إلّا مع الحاجة إليها ، وعدّة منها تدل على اعتبار الراحلة مطلقاً ، بل بعضها صريحة في ذلك أو في غاية الظهور.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٣٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٨.