فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحج لنفسه بطل على المشهور ، لكن الأقوى أن هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة وإلّا فالحج صحيح وإن لم يستحق الأُجرة (*) ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، مع أن ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد وأمّا مع الجهل (**) والغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ، لأنّ البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنّه قادر شرعاً.
______________________________________________________
الكلام في مقامين :
أحدهما : في صحّة العمل والحج الواقع منه.
ثانيهما : في صحّة الإجارة.
أمّا الأوّل : فالحج الصادر منه صحيح ، لأنّ هذه المسألة من صغريات باب التزاحم للتضاد بين الحجّين ، الحج الثابت في ذمّته والحج النيابي ، ولا يمكن الجمع بينهما في سنة واحدة ، وحيث إنه يجوز الأمر بالضدّين على نحو الترتب ، بمعنى أنه يؤمر أوّلاً بالحج عن نفسه وعلى تقدير الترك أو العصيان يؤمر ثانياً بالحج عن الغير فيحكم بصحّة الحج الصادر منه على وجه النيابة بالأمر الترتبي.
وأمّا المقام الثاني : فالظاهر بطلان إجارته ولا يمكن تصحيحها بالترتّب ، لأنّ متعلق الإجارة إن كان مطلقاً فالحكم بصحّتها ووجوب الوفاء بها يستلزم الأمر بالضدّين ، إذ المفروض أن الأمر بالحج عن نفسه مطلق ومتحقق بالفعل ، كما أن الأمر الإجاري على الفرض مطلق فإمضاؤه شرعاً يستلزم الأمر باجتماع الضدّين ، وأمّا إمضاؤه معلقاً على ترك الحج عن نفسه فهو وإن كان ممكناً إلّا أنه لم ينشأ ، فما أُنشئ غير قابل للإمضاء وما هو قابل له لم ينشأ ، وإن كان متعلِّق الإجارة مقيّداً ومعلقاً
__________________
(*) أي الأُجرة المسماة ، وإلّا فهو يستحق اجرة المثل على الآمر إن لم يكن متبرعاً بعمله.
(**) إذا لم يكن عن تقصير كما تقدّم.