وحدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية وأربعون ميلاً من كل جانب على المشهور الأقوى لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قلت له : قول الله عزّ وجلّ في كتابه (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة ٢ : ١٩٦] فقال (عليه السلام) : يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عِرق وعُسْفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة (١).
______________________________________________________
ثمّ إنّ المشهور تعين القرآن أو الإفراد على الحاضر وعدم إجزاء التمتّع عنهما كما هو المستفاد من الآية الشريفة والنصوص المتضافرة خصوصاً المفسرة منها للآية للدلالة على أنّ التمتّع ليس وظيفة للحاضر (١) ، بل لم ينقل الخلاف من أحد إلّا عن الشيخ (٢) وابن سعيد (٣) فقد نسب إليهما جواز التمتّع للحاضر أيضا.
وربّما يستدل لهما بأن التمتّع لا ينقص عن القرآن والإفراد بل المتمتع يأتي بصورة الإفراد وزيادة ، ولا ينافيه زيادة العمرة قبله.
ولا يخفى غرابة هذا الاستدلال ، لأنّ حج التمتّع مغاير ومباين للقسمين الآخرين وإن كان التمتّع مشتركاً معهما في جملة من الأحكام ، ولا دليل على إجزاء التمتّع عنهما بعد ما كانت وظيفة الحاضر القرآن أو الإفراد وعدم مشروعية التمتّع في حقّه ، فما نسب إليهما من جواز التمتّع للحاضر اختياراً لا يمكن المساعدة عليه بوجه.
(١) قد اختلف الفقهاء في حدّ البعد الموجب للتمتّع على قولين :
أحدهما : وهو المشهور أنه عبارة عن ثمانية وأربعين ميلاً من كل ناحية ، أي ستّة عشر فرسخاً المعبر عن ذلك بمرحلتين أو مسير يومين.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٢٥٨ / أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١.
(٢) المبسوط ١ : ٣٠٦.
(٣) الجامع للشرائع : ١٧٩.