.................................................................................................
______________________________________________________
وبعبارة اخرى : ما استفدناه من الروايات أن الإحرام شيء مترتب على التلبية لا أنه نفس التلبية ، ولذا يعبر عنها بتلبية الإحرام ، ولا يدخل في هذه الحرمة الإلهيّة إلّا بالتلبية.
وتؤكد ذلك : الروايات الكثيرة الدالّة على أن المحرم يحرم عليه كذا أو يجب عليه كذا ، فإن المستفاد منها أن هذه الأحكام مترتبة على من دخل في حرمة الله وموضوع هذه الأحكام هو الداخل في حرمة الله وليس موضوعها الملبي ، فقوله : المحرم يحرم عليه كذا ، ليس المراد به من لبى يحرم عليه كذا ، بل يظهر من الروايات أن الإحرام أمر إذا دخل فيه المكلف وتحقق منه يحرم عليه هذه الأُمور ، غاية الأمر سبب الإحرام هو التلبية ، والإحرام أو الدخول في حرمة الله مسبب عن التلبية فلا بدّ أن نقول بأن الإحرام أمر اعتباري يترتب عليه هذه الأُمور بسبب التلبية ، ولا يعقل أخذ هذه المنهيات والمحرمات في معنى الإحرام وإلّا للزم الدور وأخذ الحكم في موضوعه وهو أمر غير معقول ، إذ لا يعقل أن نقول إن المحرم الذي حكم عليه بحرمة الصيد يحرم عليه الصيد ، فحال الحج بعينه حال الصلاة في كون التكبيرة أوّل جزء من أجزائها وبها يدخل في الصلاة ، وكذلك التلبية فإنها أوّل جزء من أجزاء الحج وبها يدخل في تلك الحرمة الإلهيّة ، كما في النص الدال على أن الذي يوجب الإحرام ثلاثة : التلبية ، الاشعار ، والتقليد (١).
وإذن فترتب الإحرام على التلبية قهري لا قصدي ، بمعنى أنه إذا لبى بقصد الحج يتحقق الإحرام منه قهراً ولا يتحلل منه إلّا بالتقصير أو السعي ، فتدبّر جيدا.
ثمّ إنه بعد ما عرفت حقيقة الإحرام يقع الكلام في واجباته وهي ثلاثة :
الأوّل : النيّة بمعنى القصد إليه ، فلو أحرم من غير قصد لم يكن آتياً بالإحرام ، لأنّ العمل الصادر من دون قصد كالعمل الصادر سهواً أو غفلة لا يكون اختيارياً له فلا بدّ من القصد إليه ليكون صدوره منه عن اختيار.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٠ ، وتقدّم في ص ٣٧٧.