وينقسم الجنس والفصل إلى قريب وبعيد؛ وأيضاً ينقسم الجنس والنوع إلى عال ومتوسط وسافل ، كلّ ذلك مبيَّن في محلّه (١).
ثمّ إنّا إذا أخذنا معنى الحيوان الموجود في أكثر من نوع واحد مثلا ، وعَقَلْناه بأنّه الجوهر الجسم الناميّ الحسّاس المتحرك بالإرادة ، جاز أن نعقله وحده بحيث يكون كلُّ ما يقارنه من المعاني كالناطق ، زائداً عليه خارجاً من ذاته ، ويكون ما عَقَلْناه من المعنى مغايراً للمجموع منه ومن المقارن ، غيرَ محمول عليه ، كما أنّه غيرُ محمول على المقارن.
فالمفهوم المعقول من الحيوان غيرُ مفهوم الحيوان الناطق وغيرُ مفهوم الناطق؛ كان المعنى المعقول على هذا الوجه مادّةً بالنسبة إلى المعنى الزائد المقارن ، وعلّةً مادّيةً بالنسبة إلى المجموع منه ومن المقارن.
وجاز أن نعقله مقيساً إلى عدّة من الأنواع التي تشترك فيه ، كأن نعقل معنى الحيوان المذكور آنفاً ـ مثلا ـ بأنّه الحيوان الذي هو إمّا إنسان وإمّا فرس وإمّا غنم وإمّا غير ذلك من أنواع الحيوان ، فيكون المعنى المعقول على هذا النحو ماهيّةً ناقصةً غيرَ محصّلة حتّى يُنضمّ إليها الفصلُ المختصُ بأحد تلك الأنواع فيحصّلها ماهيّةً تامّةً فتكون ذلك النوع بعينه ، كأن يُنضمّ فصل الإنسان مثلا ـ وهو الناطق ـ إلى الحيوان ، فيكون الحيوان هو الناطق بعينه ، وهو نوع الإنسان؛ ويسمّى الذاتيّ المشترك فيه المأخوذ بهذا الإعتبار «جنساً» والذي يحصّله «فصلا».
والإعتباران المذكوران الجاريان في الجزء المشترك ـ أعني أخذَهُ بشرط لا ، ولا بشرط ـ يجريان في الجزء المختصّ.
فيكون بالإعتبار الأوّل صورةً للجزء الآخر المقارن ، وعلّةً صوريّةً للمجموع ، ولا يحمل على شيء منها؛ وبالإعتبار الثاني فصلا يحصِّل الجنسَ ويتمِّم النوعَ ويحمل عليه حملا أوّليّاً.
فقد تحصّل أنّ الجزءَ الأعمّ في الماهيّات ـ وهو الجنس ـ متقوَّمٌ بالجزء
__________________
(١) راجع شرح المنظومة (قسم المنطق) ص ٢٦ ، وشرح المطالع ص ٨٢ ، وشرح الشمسيّةص ٣٦ ـ ٦١ ، وجوهر النضيد ١٢ ـ ١٧ ، والبصائر النصيريّه ص ١٣ ـ ١٤ ، وشرح الإشارات ج ١ ص ٨٢.