الفصل الرابع
في ماهيّة الجسم
لا ريب في وجود الجسم بمعنى الجوهر الذي يمكن أن يفرض فيه ثلاثة خطوط متقاطعة على زوايا قوائم ، وإن لم تكن موجودةً فيه بالفعل كما في الكرة والاُسطوانة.
فحواسّنا التي تنتهي إليها علومنا وإن لم يكن فيها ما ينال الموجود الجوهريّ وإنّما تدرِك أحوالَ الأجسام وأوصافَها العرضيّة ، لكنّ أنواع التجربات تهدينا هدايةً قاطعةً إلى أنّ ما بين السطوح والنهايات من الأجسام مملوءَةٌ في الجملة غيرُ خالية عن جوهر ذي امتداد في جهاته الثلاث.
والذي يجده الحسّ من هذا الجوهر الممتدّ في جهاته الثلاث يجده متّصلا واحداً يقبل القسمة إلى أجزاء بالفعل ، لا مجموعاً من أجزاء بالفعل ذوات فواصل.
هذا بحسب الحسّ ، وأمّا بحسب الحقيقة فاختلفوا فيه على أقوال (١).
أحدها : أنّه مركّبٌ من أجزاء ذوات أوضاع لا تتجزّى ولا تنقسم أصلا لا خارجاً ولا وهماً ولا عقلا ، وهي متناهية ، وهو مذهب جمهور المتكلّمين (٢).
الثاني : أنّه مركّبٌ كما في القول الأوّل ، غيرُ أنّ الأجزاء غيرُ متناهية ، ونُسِبَ إلى النظّام (٣).
__________________
(١) وذكر الحكيم السبزواريّ وجهاً تضبط به الأقوال في ماهيّة الجسم ، فراجع شرح المنظومة ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
(٢) ومنهم أبو الهذيل العلاّف والجبّائيّ ومعمّر بن عباد وهشام الفوطيّ على ما في مقالات الإسلاميّين ج ٢ ص ١٣ ـ ١٤ ، ومذاهب الإسلاميين ج ١ ص ١٨٢. ونُسب إلى جمهور المتكلّمين في شرح حكمة العين ص ٢١٥ ، وايضاح المقاصد ص ٢٤ ، والمباحث المشرقيّة ج ٢ ص ٨ ، والأسفار ج ٥ ص ١٦ ، والأربعين ج ٢ ص ٣ ، وشرح المنظومة ص ٢٠٩. وذهب إليه أيضاً ابن ميثم البحرانيّ في قواعد المرام ص ٥١ ـ ٥٦.
(٣) نُسِب إليه في مقالات الإسلاميّين ج ٢ ص ١٦ ، والتبصير في الدين ص ٧١ ، ومذاهب