الأبحاث المتفرّفة على ما يناسب هذا الوضع ، فليتأمّل.
الفصل الخامس
في ماهية المادّة وإثبات وجودها
لا ريب أنّ الجسم في أنّه جوهرٌ يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاثة أمرٌ بالفعل ، وفي أنّه يمكن أن يوجد فيه كمالاتٌ اُخر أوّليّةٌ مسمّاةٌ بالصورة النوعيّة التي تكمِّل جوهرَه ، وكمالاتٌ ثانيةٌ من الأعراض الخارجة عن جوهره ، أمرٌ بالقوّة.
وحيثيّة الفعل غير حيثيّة القوّة ، لما أنّ الفعل لا يتمّ إلاّ بالوجدان ، والقوّة تلازِمُ الفقدان.
فالذي يقبل من ذاته هذه الكمالات الاُولى والثانية الممكنة فيه ويتّحد بها ، أمرٌ غيرُ صورته الاتّصالية التي هو بها بالفعل ، فإنّ الإتّصال الجوهريّ ـ من حيث هو ـ إتّصالٌ جوهريٌّ لا غير؛ وأمّا حيثيّة قوّة الكمالات اللاحقةوإمكانها فأمرٌ خارجٌ عن الإتّصال المذكور مغايرٌ له ، فللجسم وراء إتصاله الجوهريّ جزءٌ آخر حيثيّةُ ذاتِهِ حيثيّةَ قبول الصور والأعراض اللاحقة ، وهو الجزء المسمّى بـ «الهيولى والمادّة» (١).
فتبيّن أنّ الجسم جوهرٌ مركّبٌ من جزئين جوهريَّيْن : المادّة التي إنيّتها قبول الصور المتعلَّقة نوعَ تعلقٍّ بالجسم والأعراض المتعلَّقة بها ، والصورة الجسميّة؛ وأنّ المادّه جوهرٌ قابلٌ للصور والأعراض الجسمانيّة؛ وأنّ الامتدادالجوهريّ صورةٌ لها.
لا يقال (٢) : لا ريب أنّ الصور والأعراض الحادثة اللاحقة بالأجسام يسبقها
__________________
(١) قال صدر المتألّهين فيما علّقه على حكمة الإشراق وشرحه : «وهذه الحجّة ممّا ذكره المصنّف (رحمه الله) ـ أي الشيخ الإشراقيّ ـ في المطارحات» ، فراجع شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨. ولكن لم أجدها في المطارحات. ونسبها الرازيّ إلى الشيخ الرئيس في المطالب العالية ج ٦ ص ٢٠٢.
(٢) وهذا الإعتراض مستفادٌ من كلام الرازيّ في شرح عيون الحكمة ج ٣ ص ٢٣ ، حيث قال : «والثاني أنّ الهيولى ...» ويستفاد أيضاً ممّا نقله صدر المتألّهين عن بعض المحقّقين ، فراجع الأسفار ج ٥ ص ١٦٠.