إمكانٌ في المحلّ وإستعدادٌ وتهيّؤٌ فيه لها ، وكلّما قرب الممكن من الوقوع زاد الإستعداد إختصاصاً واشتدّ حتّى إذا صار استعداداً تامّاً وجد الممكن بإفاضة من الفاعل.
فما المانع من إسناد القبول إلى الجسم ـ أعني الإتّصال الجوهريّ ـ بواسطة قيام الاستعداد به عروضاً من غير حاجة إلى استعداد وقبول جوهريّ نثبتها جزءاً للجسم؟ ، على أنّ القبول والاستعداد مفهومٌ عَرَضيٌّ قائمٌ بالغير ، فلا يصلح أن يكون حقيقةً جوهريّةً (١).
على أنّ من الضروريّ أنّ الإستعداد يُبْطَل مع تحقّقِ المستعدّ له ، فلو كان هناك هيولى ـ هي إستعدادٌ وقبولٌ جوهريٌّ وجزءٌ للجسم ـ لبطلَتْ بتحقُّقِ الممكن المستعدّ له ، وبطل الجسم ببطلان جزئه وانعدم بانعدامه ، وهو خلاف الضّرورة (٢).
فإنّه يقال : مغايرة الجسم ـ بما أنّه اتّصالٌ جوهريٌّ لا غير ـ مع كلٍّ من الصور النوعيّة تأبى أن يكون موضوعاً للقبول والإستعداد لها ، بل يحتاج إلى أمر آخر لا يأبى أن يتّحد مع كلٍّ من الصور اللاحقة ، فيكون في ذاته قابلا لكلّ منها وتكون الاستعدادات الخاصّة التي تتوسّط بينه وبين الصور الممكنة أنحاء تعيّنات القبول الذي له في ذاته ، فنسبةُ الاستعدادات المتفرّقة المتعيّنة إلى الإستعداد المبهم الذي للمادّة في ذاتها نسبةَ الأجسام التعليميّة والإمتدادات المقداريّة التي هي تعيّنات للامتداد والاتّصال الجوهريّ إلى الاتّصال الجوهريّ.
ولو كان الجسم ـ بما أنّه إتّصال جوهريّ ـ هو الموضوع للاستعداد والجسم من الحوادث التي يسبقها إمكان ، لكان حاملا لإمكان نفسه ، فكان متقدّماً على نفسه بالزمان.
وأمّا ما قيل (٣) : إنّ المفهومَ من القبول معنى عَرَضيٌّ قائمٌ بالغير ، فلا معنى للقول بكون المادّة قبولا بذاته وهو كون القبول جوهراً
__________________
(١) تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ٧١ نقلا عن الشيخ الإشراقيّ في أوائل طبيعيات كتابه.
(٢) وتعرّض له أيضاً صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ٧٤ نقلا عن الشيخ الإشراقيّ.
(٣) والقائل الشيخ الإشراقيّ على ما نُقل عنه في الأسفار ج ٥ ص ٧١.