وهي قوّة الأشياء محضاً ، وفيه اجتماع المتنافيَيْن في ذات واحدة ، وهو محالٌ.
ثمّ إنّ المادّة لمّا كانت متقوّمةَ الوجود بوجود الصورة فللصورة جهة الفاعليّة بالنسبة إليها ، غير أنّها ليست تامّةَ الفاعليّة لتبدُّلِ الصَوَرِ عليها ، والمعلول الواحد لا تكون لها إلاّ علّةً واحدةً ، فللمادّة فاعلٌ أعلى وجوداً من المادّة ، والمادّيّات يفعل المادّةَ (١) ويحفظ وجودَها باتّحاد صورة عليها بعد صورة ، فالصورة شريكةُ العلّة للمادّة (٢).
لا يقال (٣) : المادّة ـ على ما قالوا (٤) ـ واحدةٌ بالعدد ، وصورةٌ مّا واحدةٌ بالعموم ، والواحد بالعدد أقوى وجوداً من الواحد بالعموم ، فلازمُ عليّة صورة مّا للمادّة كونُ ما هو أقوى وجوداً معلولا للأضعف وجوداً ، وهو محالٌ.
فإنّه يقال (٥) : إنّ المادّة وإن كانت واحدةً بالعدد لكن وحدتها مبهمة ضعيفة ، لإبهام وجودها وكونها محضَ القوّة ، ووحدةُ الصورة ـ وهي شريكةُ العلّة التي هي المفارق ـ مستظهرةٌ بوحدة المفارق.
فمَثَلُ إبقاء المفارق وحفظ المادّة بصورة مّا مَثَلُ السقف يحفظ من الإنهدام بنَصْب دعامة بعدَ دعامة (٦).
وسيأتي في مباحث الحركة الجوهرية إن شاء الله (٧) ما ينكشف به حقيقة الحال في كثرة هذه الصور المتعاقبة على المادّة.
وقد تبيّن بما تقدّم أنّ كلَّ فعليّة وتحصُّل تعرض المادةَ فإنّما هي بفعليّة
__________________
(١) أي يؤثّر هذا الفاعل في المادّة.
(٢) كما قال به بهمنيار في التحصيل ص ٣٤١.
(٣) تعرّض لهذا الإشكال الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء. وأشار إليه أيضاً في الإشارات حيث قال : «وها هنا سرٌّ آخر» فراجع شرح الإشارات ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٤) والقائل به الشيخ الرئيس في التعليقات ص ٥٧.
(٥) كما قال به الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، وتعرّض له المحقّق الطوسيّ في شرح الاشارات ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٦) هكذا في شرح المقاصد ج ١ ص ٣١٥. وشرح الإشارات ج ٢ ص ١٢٦.
(٧) راجع الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.