يرتفعان. فمآلُ تقابُلِ التناقض إلى قضيّة منفصلة حقيقيّة هي قولنا : «إمّا أن يصدق الإيجاب وإمّا أن يصدق السلب».
فالتناقض في الحقيقية بين الإيجاب والسلب.
ولا ينافي ذلك تحقُّقَ التناقض بين المفردات.
فكلّ مفهوم أخذناه في نفسه ثمّ أضفنا إليه معنى النفي ، كالإنسان واللاإنسان ، والفرس واللافرس ، تحقَّقَ التناقض بين المفهومين.
وذلك أنّا إذا أخذنا مفهومَيْن متناقضَيْن ـ كالإنسان واللاإنسان ـ لم نَرْتَب أنّ التقابل قائمٌ بالمفهومَيْن على حدّ سواء ، فالإنسان يطرد بذاته اللاإنسانَ ، كما أنّ اللاإنسان يطرد بذاته الإنسان.
وضروريٌّ أنّه لو لم يعتبر الثبوت والوجود في جانب الانسان لم يطارد اللاإنسانَ ولم يناقضه ، فالإنسان واللاإنسان إنّما يتناقضان لأنّهما في معنى وجود الإنسان وعدم الإنسان ، ولا يتمّ ذلك إلاّ باعتبار قيام الوجود بالانسان وكذا العدم ، فالإنسان واللاإنسان إنّما يتناقضان لانحلالهما إلى الهليّتَيْن البسيطتَين ، وهما قضيّتا «الإنسان موجود» و «ليس الإنسان بموجود».
ونظير الكلام يجري في المتناقضَيْن : «قيام زيد» ، و «لا قيام زيد» ، فهما في معنى وجود القيام لزيد وعدم القيام لزيد ، وهما ينحلاّن إلى هليّتَيْن مركّبتَيْن ، هما قولنا : «زيد قائم» ، وقولنا : «ليس زيد بقائم» ، فتقابُلُ التناقض بالحقيقة بين الإيجاب والسلب ، وإن شئت فقل : بين الوجود والعدم ، غير أنّه سيأتي في مباحث العاقل والمعقول (١) ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ العقل إنّما ينال مفهومَ الوجود أوّلا معنىً حرفيّاً في القضايا ثمّ يسبك منه المعنى الإسميّ بتبديله منه وأخْذِهِ مستقلاّ بعد ما كان رابطاً ، ويصوّر للعدم نظير ما جرى عليه في الوجود.
فتقابُلُ التناقض بين الإيجاب والسلب أوّلا وبالذات ، وبين غيرهما بعرْضِهما.
فما في بعض العبارات من نسبة التناقض إلى القضايا ، ـ كما في عبارة التجريد : «إنّ تقابلَ السلب والإيجاب راجعٌ إلى القول والعقد» (٢) ـ إنتهى ـ ، اُريد
__________________
(١) راجع الفصل العاشر من المرحلة الحادية عشر.
(٢) راجع كشف المراد ص ١٠٧ ، وشرح التجريد للقوشجي ص ١٠٤. وفي شوارق الإلهام