هما المادّة والصورة مأخوذَتْين لا بشرط؛ على أنّ الماهيّة الواحدة لو تركّبت من أجزاء غير متناهية ، استحال تعقّلها ، وهو باطل.
الفصل السادس
في العلّة الفاعليّة
قد تقدّم (١) أنّ الماهيّة الممكنة في تلبّسها بالوجود تحتاج إلى مرجِّح لوجودها ، ولا يرتاب العقل أنّ لمرجِّح الوجود شأناً بالنسبة إلى الوجود غير ما للماهيّة من الشأن بالنسبة إليه.
فللمرجِّح أو بعض أجزائه بالنسبة إليه شأنٌ شبيهٌ بالإعطاء ، نسمّيه : «فعلا» أو ما يفيد معناه ، وللماهيّة شأنٌ شبيهٌ بالأخذ ، نسمّيه : «قبولا» أو ما يفيد معناه.
ومن المحال أن تتّصف الماهيّة بشأن المرجِّح ، وإلاّ لم تحتج إلى مرجِّح ، أو يتّصف المرجِّح بشأن الماهيّة ، وإلاّ لزم الخلف.
ومن المحال أيضاً أن يتّحد الشأنان ، فالشأنُ الذي هو القبول يلازم الفقدانَ ، والشأنُ الذي هو الفعل يلازم الوجدانَ.
وهذا المعنى واضحٌ في الحوادث الواقعة التي نشاهدها في نشأة المادّة ، فإنّ فيها عِلَلا تُحرِّك المادّةَ نحو صوَر هي فاقدة لها ، فتقبلها وتتصوّر بها ، ولو كانت واجدةً لها لم تكن لتقبِلها وهي واجدةٌ ، فالقبولُ يلازم الفقدانَ ، والذي للعِلَل هو الفعلُ المناسبُ لذاتها الملازمُ للوجدان.
فالحادث المادّيّ يتوقّف في وجوده إلى علّة تفعله نسمّيها : «علّةً فاعليّةً» ، وإلى علّة تقبله ونسمّيها : «العلّة المادّيّة» ، وسيأتي (٢) إثبات أنّ في الوجود ماهيّاتٌ ممكنةٌ مجرّدةٌ عن المادّة ، وهي لإمكانها تحتاج إلى علّة مرجِّحة ، ولتجرُّدها مستغنيةٌ عن العلّة المادّيّة ، فلها أيضاً علّة فاعليّة.
__________________
(١) في ابتداء الفصل الأوّل من هذه المرحلة والفصل الأوّل من المرحلة الخامسة.
(٢) في الفصل الرابع عشر من هذه المرحلة.