لغيره من الاستقلال الذي هو ملاك العلّيّة والإيجاد إلاّ الاستقلال النسبيّ. فالعلل الفاعليّة في الوجود معدّات مقرِّبة للمعاليل إلى فيضِ المبدأ الأوّل وفاعلِ الكلّ (تعالى).
هذا بالنظر إلى حقيقة الوجود الأصيلة المتحقّقة بمراتبها في الأعيان؛ وأمّا بالنظر إلى ما يعتبره العقل من الماهيّات الجوهريّة والعرضيّة المتلبّسة بالوجود المستقلّة في ذلك ، فهو (تعالى) علّة تنتهي إليها العلل كلّها ، فما كان من الأشياء ينتهي إليه بلا واسطة فهو علّته ، وما كان منها ينتهي إليه بواسطة فهو علّة علّته ، وعلّةُ علّةِ الشيء علّةٌ لذلك الشيء ، فهو (تعالى) فاعلُ كلِّ شيء ، والعلل كلّها مسخَّرة له.
الفصل التاسع
في أنّ الفاعل التامّ الفاعليّة أقوى من فعله وأقدم
أمّا أنّه أقوى وجوداً وأشدّ ، فلأنّ الفعل ـ وهو معلوله ـ رابطٌ بالنسبة إليه قائم الهويّة به ، وهو (١) المستقلّ الذي يقوّمه ويحيط به. ولا نعني بأشدّية الوجود إلاّ ذلك. وهذا يجري في العلّة التامّة أيضاً كما يجري في الفاعل المؤثّر.
وقد عدّ صدر المتألّهين (رحمه الله) المسألةَ بديهيّةً ، إذ قال : «البداهة حاكمةٌ بأنّ العلّة المؤثّرة هي أقوى لذاتها من معلولها فيما يقع به العلّيّة ، وفي غيرها لا يمكن الجزم بذلك ابتداءً» (٢) ـ إنتهى.
وأمّا أنّه أقدم وجوداً من فعله ، فهو من الفطريّات ، لمكان توقُّف وجودِ الفعل على وجود فاعله. وهذا أيضاًكما يجري في الفاعل يجري في العلّة التامّةوسائر العلل.
والقول (٣) بـ «أنّ العلّة التامّة مع المعلول ، لأنّ من أجزائها المادّة والصورة اللَتَين
__________________
(١) أي الفاعل التام الفاعليّة.
(٢) راجع الأسفار ج ٢ ص ١٨٧.
(٣) والقائل هو المحقّق الشريف على ما نُقل عنه في شوارق الإلهام ص ٩٨.