غاية الطبائع ، لفُقْدانها العلْمَ (١).
وأمّا قولهم (٢) : «إنّ العلّة الغائيّة علّةٌ فاعليّةٌ لفاعليّة الفاعل» ، فكلامٌ لا يخلو عن مسامحة ، لأنّ (٣) الفواعل الطبيعيّة لا علْمَ لها حتّى تحضرها غاياتها حضوراً علميّاً يعطي الفاعليّة للفاعل ، وأمّا بحسب الوجود الخارجيّ فالغاية مترتّبةُ الوجود على وجود الفعل ، والفعل متأخّر وجوداً عن الفاعل بما هو فاعلٌ ، فمن المستحيل أن تكون الغاية علّةً لفاعليّة الفاعل.
والفواعل العلميّة غير الطبيعيّة إمّا غايتها عين فعلها والفعل معلول لفاعله ، ومن المستحيل أن يكون المعلول علّةً لعلّته ، وإمّا غايتها مترتّبةُ الوجود على فعلها متأخّرةٌ عنه ، ومن المستحيل أن تكون علّةً لفاعل الفعل المتقدّم عليه ، وحضور الغاية حضوراً علميّاً للفاعل قبلَ الفعل وجودٌ ذهنيٌّ هو أضعف من أن يكون علّة لأمر خارجيّ وهو الفاعل بما هو فاعل.
والحقّ ـ كما سيأتي تفصيله (٤) ـ أنّ الفواعل العلميّة بوجوداتها النوعيّة عِلَلٌ فاعليّة للأفعال المرتبطة بها الموجودة لها في ذيل نوعيّتها.
كما أنّ كلّ نوع من الأنواع الطبيعيّة مبدأ فاعليّ لما يوجد حولها ويصدر عنها من الأفعال ، وإذ كانت فواعل علميّة ، فحصول صورة الفعل العلميّة عندها شرْطٌ متمّم لفاعليّتها تتوقّف عليه فعليّة التأثير.
وهذا هو المراد بكون العلّة الغائيّة علّةً لفاعليّة العلّة الفاعليّة ، وإلاّ فالفاعل بنوعيّته علّةٌ فاعليّةٌ للأفعال الصادرة عنه القائمة به التي هي كمالات ثانية له يستكمل بها.
وثالثها : أنّ الغاية وإن كانت بحسب النظر البدويّ تارةً راجعةً إلى الفاعل
__________________
(١) هكذا اعترض عليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٥٤٠.
(٢) والقائل الشيخ الرئيس : فراجع النجاة ص ٢١٣ ، وشرح الإشارات ج ٣ ص ١٥ ـ ١٦ ، والتعليقات ص ١٢٨ ، والفصل الحادي عشر من المقالة الاُولى من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٣) هكذا اعترض عليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٥٤٠ ، وشرحي الإشارات ج ١ ص ١٩٤ ، وأجاب عنه المحقّق الطوسيّ في شرح الإشارات ج ٣ ص ١٧.
(٤) في الفصل الآتي.