مطلوب لنفسه ومقصود لنفسه ومراد لنفسه ومتوجّه إليه لنفسه.
وإذ كان (تعالى) هو العلّة الاُولى التي إليها ينتهي وجود ما سواه ، فهو استقلالُ كلِّ مستقلٍّ وعمادُ كلِّ معتمد ، فلا يطلب طالب ولا يريد مريد إلاّ إيّاه ، ولا يتوجّه متوجّه إلاّ إليه بلا واسطة أو معها ، فهو (تعالى) غايةُ كلِّ ذي غاية.
الفصل الثاني عشر
في أنّ الجزاف والقصد الضروري والعادة وما يناظرهامن
الأفعال لا تخلو عن غاية
قد يتوهّم أنّ من الأفعال الإراديّة ما لا غايةَ له (١) ، كملاعب الأطفال ، والتنفّس ، وانتقال المريض النائم من جانب إلى جانب ، واللعب باللحية ، وأمثال ذلك. فينتقض بذلك كلّيّة قولهم : «إنّ لكلِّ فعل غايةً».
ويندفع ذلك بالتأمّل في مبادئ أفعالنا الإراديّة وكيفيّة ترتّب غاياتها عليها.
فنقول : قالوا (٢) : إنّ لأفعالنا الإراديّة وحركاتنا الاختياريّة مبدأً قريباً مباشراً للحركات المسمّاة أفعالا ، وهو القوّة العاملة المنبثّة في العضلات المحرّكة إيّاها ، وقبل القوّة العاملة مبدأٌ آخر هو الشوقيّة المنتهية إلى الإرادة والإجماع ، وقبل الشوقيّة مبدأٌ آخر هو الصورة العلميّة من تفكّر أو تخيّل يدعو إلى الفعل لغايته ، فهذه مباد ثلاثة غير الإراديّة.
أمّا القوّة العاملة فهي مبدأ طبيعيٌّ لا شعورَ له بالفعل ، فغايتها ما تنتهي إليه الحركة كما هو شأن الفواعل الطبيعيّة.
__________________
(١) وإليه أشار الفارابيّ ، حيث قال في رسالة في فضيلة العلوم ص ٩ : «لا تستنكر أن يحدث في العالم اُمور لها أسباب بعيدة جدّاً ، فلا تضبط لبُعدها ، فيظنّ بتلك الاُمور أنّها إتّفاقيّة».
(٢) كذا قال الشيخ الرئيس في الفصل الخامس من المقالة السادسة من إلهيات الشفاء. وثمّ تبعه المتأخرون منه ، فراجع المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٥٣٦ ـ ٥٣٧ ، والأسفار ج ٢ ص ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، وكشف المراد ص ١٣٠ ، وشوارق الإلهام ص ٢٤٢ ـ ٢٤٤.