وأمّا المبدآن الآخران ـ أعني الشوقيّة والصورة العلميّة ـ ، فربّما كانت غايَتُهما غايةَ القوّة العاملة ، وهي ما تنتهي إليه الحركة وعندئذ تتّحد المبادئ الثلاثة في الغاية ، كمن تخيّل الاستقرار في مكان غير مكانه فاشتاق إليه فتحرّك نحوه واستقرّ عليه.
وربّما كانت غايتُهما غيرَ غاية القوّة العاملة ، كمن تصوّر مكاناً غير مكانه فانتقل إليه للقاء صديقه.
والمبدأ البعيد ـ أعني الصورة العلميّة ـ ، ربّما كانت تخيّليّةً فقط بحضور صورة الفعل تخيّلا من غير فكر ، وربّما كانت فكريّةً ولا محالة معها تخيُلٌ جزئيٌّ للفعل.
وأيضاً ربّما كانت وحدها مبدأ للشوقيّة ، وربّما كانت مبدأً لها بإعانة من الطبيعة كما في التنفّس ، أو من المزاج كانتقال المريض النائم من جانب إلى جانب ، أو من الخُلْق والعادة كاللعب باللحية.
فإذا تطابقَتْ المبادئ الثلاثة في الغاية ـ كالإنسان يتخيّل صورةَ مكان فيشتاق إليه فيتحرّك نحوه ويسمّى : «جزافاً» ـ كان لفِعْلِه بماله من المبادئ غايته.
وإذا عقّب المبدأُ العلميّ الشوقيّةَ ـ بإعانة من الطبيعة كالتنفّس ، أو من المزاج كانتقال المريض من جانب أملّه الاستقرار عليه إلى جانب ويسمّى «قصداً ضروريّاً» ، أو بإعانة من الخُلْق كاللعب باللحية ويسمّى الفعل حينئذ «عادةً» ـ كان لكلٍّ من مبادئ الفعل غايتُه.
ولا ضَيْرَ في غفلة الفاعل وعدم التفاته إلى ما عنده من الصورة الخياليّة للغاية في بعض هذه الصور أو جميعها ، فإنّ تخيّل الغاية غير العلم بتخيُّلِ الغاية ، والعلم غير العلم بالعلم.
والغاية في جميع هذه الصور المسمّاة عبثاً ليست غايةً فكريّةً.
ولا ضَيْرَ فيه ، لأنّ المبدأ العلميّ فيها صورة تخيّليّة غير فكريّة ، فلا مبدأ فكريّ فيها حتّى تكون لها غايةٌ فكريّةٌ.
وإن شئت فقل : إنّ فيها مبدأً فكريّاً ظنيّاً ملحوظاً على سبيل الإجمال ، يلمح إليه الشوق المنبعث من تخيّل صورة الفعل ، فالطفل مثلا يتصوّر الاستقرار على مكان غير مكانه ، فينبعث منه شوقٌ مّا يلمح إلى أنّه راجحٌ ينبغي