الفصل الثالث
في زيادة توضيح لحدّ الحركة وما تتوقّف عليه
قد تقدّم (١) أنّ الحركة نحوُ وجود يخرج به الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أي بحيث لا تجتمع الأجزاء المفروضة لوجوده.
وبعبارة اُخرى يكون كلُّ حدٍّ من حدود وجوده فعليّةً للجزء السابق المفروض وقوّةً للجزء اللاحق المفروض ، فالحركة خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً (٢).
وحَدَّها المعلّم الأوّل بـ «أنّها كمالٌ أوّلُ لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة» (٣). وتوضيحه : أنّ الجسم المتمكّن في مكان ـ مثلا ـ إذا قَصَدَ التمكّن في مكان آخر تُرَكَ المكان الأوّل بالشروع في السلوك إلى المكان الثاني حتّى يتمكّن فيه؛ فللجسم ـ وهو في المكان الأوّل ـ ، كمالان هو (٤) بالنسبة إليهما بالقوّة؛ وهما السلوك الذي هو كمالٌ أوّلُ والتمكّن في المكان الثاني الذي هو كمالٌ ثان؛ فالحركة ـ وهي السلوك ـ كمالٌ أوّلُ للجسم الذي هو بالقوّة بالنسبة إلى الكمالين ، لكن لا مطلقاً ، بل من حيث إنّه بالقوّة بالنسبة إلى الكمال الثاني ، لأنّ السلوك متعلّقُ الوجود به.
وقد تبيّن بذلك أنّ الحركة متعلّقةُ الوجود بأُمور ستّة : (الأوّل) المبدأ ، وهو الذي منه الحركة. و (الثاني) المنتهى ، وهو الذي إليه الحركة ، فالحركة تنتهي من
__________________
(١) في الفصل السابق.
(٢) والتدريج معنى بديهيٌّ بإعانة الحس عليه. والتعريف ليس بحدٍّ حقيقيِّ ، لأنّ الحد للماهيّة ، والحركة نحو وجود ، والوجود لا ماهية له ـ منه (رحمه الله) ـ.
(٣) نَسَبه إليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ، وصدر المتألّهين في الأسفار. ونسَبه العلاّمة إلى الحكماء ، ثمّ نسب القول بـ «أنّ الحركة هي حصول الجسم في مكان بعد آخر» إلى المتكلّمين ، فراجع كشف المراد ص ٢٦١ ـ ٢٦٢. وفي المقام أقوال اُخر مذكورة في المطوّلات ، فراجع الأسفار ج ٣ ص ٢٤ ـ ٣١ ، والمباحث المشرقيّة ج ١ ص ٥٤٩ ، والفصل الأوّل من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ، وشرح المنظومة ص ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(٤) أي الجسم.