في نفسها عين وجودها لموضوعاتها ، فتغيُّرها وتجدُّدها لا يتمّ إلاّ مع تغيُّر موضوعاتها الجوهريّة وتجدُّدها ، فالحركات العرضيّة دليلُ حركةِ الجوهر.
ويتبيّن بما تقدّم عدّة اُمور :
الأول : أنّ الصور الجوهريّة المتبدّلة المتواردة على المادّة واحدةً بعدَ واحدة في الحقيقة صورةٌ جوهريّةٌ واحدةٌ سيّالةٌ تجري على المادّة ، وموضوعها المادّة المحفوظة بصورة مّا ـ كما تقدّم في مرحلة الجواهر والأعراض (١) ـ ، ننتزع من كلِّ حدٍّ من حدودها مفهوماً مغايراً لما يُنتزع من حدٍّ آخر ، نسميّها «ماهيّةً نوعيّةً» تُغايِر سائر الماهيّات في آثارها.
والحركة على الإطلاق وإن كانت لا تخلو من شائبة التشكيك ، لِما أنّها خروجٌ من القوّة إلى الفعل وسلوكٌ من النقص إلى الكمال ، لكن في الجوهر مع ذلك حركةٌ إشتداديّةٌ اُخرى هي حركة المادّة الاُولى إلى الطبيعة ثمّ النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان ، ولكلٍّ من هذه الحركات آثار خاصّة تترتّب عليها حتّى تنتهي الحركة إلى فعليّة لا قوّةَ معها.
الثاني : أنّ للأعراض اللاحقة بالجواهر ـ أيّاً مّا كانت ـ حركةٌ بتَبَع الجواهر المعروضة لها ، إذ لا معنى لثبات الصفات مع تغيُّرِ الموضوعات وتجدُّدِها. على أنّ الأعراض اللازمة للوجود كلوازم الماهيّة مجعولةٌ بجعل موضوعاتها جَعْلا بسيطاً من غير أن يتخلّل جَعْلٌ بينها وبين موضوعاتها. هذا في الأعراض اللازمة التي نحسبها ثابتةً غيرَ متغيّرة؛ وأمّا الأعراض المفارقة التي تعرض موضوعاتها بالحركة ـ كما في الحركات الواقعة في المقولات الأربع : الأين والكم والكيف والوضع ـ فالوجه أن تعدّ حركتها من الحركة في الحركة ، وأن تسمّى : «حركات ثانية» ويسمّى القسم الأوّل «حركات أُولى».
والإشكال (٢) في إمكان تحقُّقِ الحركة في الحركة بأنّ من الواجب في الحركة
__________________
(١) راجع الفصل السادس من المرحلة السادسة.
(٢) والمستشكل بهمنيار في التحصيل ص ٤٢٩. وتبعه صدر المتألّهين فى ـ الأسفار ج ٣