فإن كانت الحركة جوهريّةً والحركة في ذات الشيء وهو المتحرّك بالحقيقة ـ كما تقدّم (١) ـ كان فَرْضُ كون المتحرّك هو المحرّك فَرْضَ كون الشيء فاعلا موجِداً لنفسه ، واستحالته ضروريّة. فالفاعل الموجِد للحركة هو الفاعل الموجِد للمتحرّك ، وهو جوهرٌ مفارقٌ للمادّة ، يوِجد الصورةَ الجوهريّة ، ويقيم بها المادّة ، والصورة شريكة الفاعل على ما تقدّم (٢).
وإن كانت الحركة عرضيّةً وكان العرض لازماً للوجود ، فالفاعل الموجِد للحركة فاعلُ الموضوع المتحرّك بعين جَعْلِ الموضوع ، من غير تخلُّلِ جَعْل آخر بين الموضوع وبين الحركة ، إذ لو تخلّل الجعل وكان المتحرّك ـ وهو ماديٌّ ـ فاعلا في نفسه للحركة ، كان فاعلا من غير توسُّطِ المادّة. وقد تقدّم في مباحث العلّة والمعلول (٣) أنّ العلل المادّيّة لا تفعِل إلاّ بتوسّط المادّة وتخلُّلِ الوضع بينها وبين معلولاتها ، فهي إنّما تفعِل في الخارج من نفسها.
ففاعلُ لازِم الوجود فاعلُ ملزومه ، وهو جوهرٌ مفارق للمادّة جَعَلَ الصورةَ ولازِمَ وجودها جعلا واحداً وأقام بها المادّة.
وإن كانت الحركة عرضيّةً والعرض مفارقاً ، كان الفاعل القريب للحركة هو الطبيعة ، بناءً على انتساب الأفعال الحادثة عند كلِّ نوع جوهرىٍّ إلى طبيعة ذلك النوع.
وتفصيل القول أنّ الموضوع إمّا أن يفعل أفعالَه على وَتَيرَة واحدة أو لا على وَتْيرَة واحدة. والأوّل هو الطبيعة المعرَّفة بأنّها مبدأ حركة ما هي فيه وسكونه. والثاني هو النفس المسخّرة لعدّة طبائع وقوى تستعملها في تحصيل ما تريده من الفعل. وكلٌّ منهما إمّا أن يكون فعلها ملائماً لنفسها بحيث لو خُلِّيتْ ونفسها لفعلَتْه وهو «الحركة الطبيعيّة» ، أو لا يكون كذلك كما يقتضيه قيام مانع مزاحم وهو «الحركة القسريّة».
__________________
(١) في الفصل الثامن من هذه المرحلة.
(٢) راجع الفصل السادس من المرحلة السادسة.
(٣) راجع الفصل الخامس عشر من المرحلة الثامنة.