الفصل الأوّل
في السبق واللحوق وهما التقدّم والتأخّر
يشبه أن يكون أوّلُ ما عُرف من معنى التقدّم والتأخّر ما كان منهما بحسب الحسّ ، كأن يُفرض مبدأٌ يشترك في النسبة إليه أمران ، ما كان لأحدهما من النسبة إليه فللآخر ، وليس كلُّ ما كان للأوّل فهو للثاني ، فيسمّى ما للأوّل من الوصف «تقدّماً» ، وما للثاني «تأخّراً» ، كمحراب المسجد يفرض مبدأ فيشترك في النسبة إليه الإمام والمأموم ، فما للمأموم من نسبة القُرب إلى المحراب فهو للإمام ، ولا عكس ، فالإمام متقدَّمٌ والمأموم متأخَّرٌ. ومعلوم أنّ وصفَي التقدّم والتأخّر يختلفان باختلاف المبدأ المفروض ، كما أنّ الإمام متقدَّمٌ والمأموم متأخَّرٌ في المثال المذكور على تقدير فَرْضِ المحراب مبدأً ، ولو فُرض المبدأُ هو الباب كان الأمر بالعكس وكان المأموم متقدّماً والإمام متأخّراً. ولا يتفاوت الأمر في ذلك أيضاً بين أن يكون الترتيب وضعيّاً اعتباريّاً كما في المثال السابق ، أو طبعيّاً كما إذا فرضنا مثلا الجسم ثمّ النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان ، فإن فرضنا المبدأ هو الجسم كان النبات متقدّماً والحيوان متأخّراً ، وإن فرضنا المبدأ هو الإنسان كان الحيوان متقدّماً والنبات متأخّراً ، ويسمّى هذا التقدّم والتأخّر : «تقدّماً وتأخّراً بحسب الرتبة».