الفصل الثاني
في إتّحاد العالم بالمعلوم ، وهو المعنون عنه باتّحاد العاقل بالمعقول (١)
علْمُ الشيء بالشيء هو حصول المعلوم ـ أي الصورة العلميّة ـ للعالِم كما تقدّم (٢) ، وحصول الشيء وجوده ، ووجوده نفسه ، فالعلم هو عين المعلوم بالذات ، ولازِمُ حصول المعلوم للعالِم وحضوره عنده إتّحاد العالِم به ، سواء كان معلوماً حضوريّاً أو حصوليّاً. فإنّ المعلوم الحصوليّ إن كان أمراً قائماً بنفسه كان وجوده لنفسه وهو مع ذلك للعالم فقد إتّحد العالم مع المعلوم ، ضرورةَ امتناع كون الشيء موجوداً لنفسه ولغيره معاً ، وإن كان أمراً وجوده لغيره ـ وهو الموضوع ـ وهو مع ذلك للعالم ، فقد إتّحد العالم بموضوعه والأمر الموجود لغيره متّحدٌ بذلك الغير ، فهو متّحدٌ بما يتّحد به ذلك الغير.
ونظير الكلام يجري في المعلوم الحضوريّ مع العالم به.
فإن قلت : قد تقدّم في مباحث الوجود الذهني (٣) أنّ معنى كون العلم من مقولة
__________________
(١) والشيخ الرئيس في أكثر كتبه نصّ على إبطال القول بإتّحاد العاقل بالمعقول ، كما في الفصل السادس من المقاله الخامسة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء ، وشرح الإشارات ج ٣ ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣. ولكن قد قرّر هذا القول وأقام الحجّة عليه في كتاب المبدأ والمعاد ص ٦ ـ ١٠ ، والرسالة العرشيّة ص ٨. وقال صدر المتألّهين ـ بعد التعرّض لما قال الشيخ الرئيس في كتاب المبدأ والمعاد ـ : «ولستُ أدري هل كان ذلك على سبيل الحكاية لمذهبهم لأجل غرض من الأغراض أو كان اعتقادياً له لاستبصار وقع له من إضائة نور الحق من افق الملكوت». راجع الأسفار ج ٣ ص ٣٣٥. وأقول : الظاهر أنّه أراد أن يفرّق بين علم الواجب بغيره وعلمنا بغيرنا ، بأنّ الإتّحاد مختصّ بعلم الواجب بغيره كما هو الظاهر ممّا ذكره في المبدأ والمعاد والرسالة العرشية ، وأمّا في علمنا بغيرنا فلا ، كما هو الظاهر من كلامه في سائر كتبه. وصرّح باختصاص الإتّحاد بعلم الواجب بغيره في التعليقات ص ١٥٩ ، حيث قال : «كلّ ما يعقل ذاته فإنّه هو العقل والعاقل والمعقول ، وهذا الحكم لا يصحّ إلاّ في الأوّل». وقال أيضاً : «أمّا ما يقال انّا إذا عقلنا شيئاً فانّا نصير ذلك المعقول فهو محال».
(٢) في الفصل السابق.
(٣) راجع المرحلة الثالثة من المتن.