لحقايق العالم العلويّ والسفليّ ، باستحضارها الجميعَ وتوجّهها إليها من غير شاغل مادّيّ ، فتكون عالماً علميّاً مضاهياً للعالم العينيّ ، وتسمّى «العقلَ المستفاد».
الفصل السابع
في مفيض هذه الصور العلميّة
مفيض الصور العقليّة الكلّيّة جوهرٌ عقليٌّ مفارقٌ للمادّة ، عنده جميع الصور العقليّة الكلّيّة (١).
وذلك لما تقدّم (٢) أنّ هذه الصور العلميّة مجردّةٌ من المادّة مفاضةٌ للنفس ، فلها مفيضٌ ، ومفيضها إمّا هو النفس تفعلها وتقبلها معاً ، وإمّا أمرٌ خارج مادّيّ أو مجرّد؛ أمّا كون النفس هي المفيضة لها الفاعلة لها فمحالٌ ، لا ستلزامه كونَ الشيء الواحد فاعلا وقابلا معاً ، وقد تقدّم بطلانه (٣) ؛ وأمّا كون المفيض أمراً مادّياً فيبطله أنّ الماديّ أضعف وجوداً من المجرّد فيمتنع أن يكون فاعلا لها ، والفاعل أقوى وجوداً من الفعل؛ على أنّ فعل العلل الماديّة مشروطٌ بالوضع ، ولا وضعَ لمجرّد؛ فتعينّ أنّ المفيض لهذه الصور العقليّة جوهرٌ مجرّدٌ عقليٌّ هو أقرب العقول المجرّدة من الجوهر المستفيض فيه جميع الصور العقليّة المعقولة عقلا إجماليّاً تتّحد معه النفس المستعدّة للتعقّل على قدر استعدادها ، فتستفيض منه ما تستعدّ له من الصور العقليّة.
فإن قلت : هب أنّ الصور العلميّة الكلّيّة بإفاضة الجوهر المفارق ـ لما تقدّم من البرهان ـ لكن ما هو السبب لنسبة الجميع إلى عقل واحد شخصيٍّ؟ هلاّ أسندوها إلى عقول كثيرة مختلفة الماهيّات بنسبة كلِّ واحد من الصور إلى جوهر مفارق غير ما ينسب إليه ، أو بنسبة كلّ فريق من الصور إلى عقل غير ما ينسب إليه فريق آخر؟
__________________
(١) فهذا الجوهر العقليّ المفارق أوّلُ ما يصدر من الله تعالى. والمناهج المذكورة لإثباته كثيرةٌ تعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ج ٧ ص ٢٦٢ ـ ٢٨١.
(٢) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.
(٣) راجع الفصل العاشر من المرحلة الثامنة.