هي قضيّة لا تحتاج في تحقّقها إلى النسبة الحكميّة ، هذا.
وأمّا كون الحكم فعلا نفسانيّاً في ظرف الإدراك الذهنيّ فحقيقته في قولنا : «زيد قائم» ، مثلا ، أنّ النفس تنال من طريق الحسّ أمراً واحداً هو زيد القائم ، ثمّ تنال عمراً قائماً وتنال زيداً غير قائم ، فتستعدّ بذلك لتجزئة زيد القائم إلى مفهومَي : «زيد» و «القائم» ، فتجزىء وتخزنهما عندها. ثمّ إذا أرادتْ حكاية ما وجدَتْه في الخارج أخذَتْ زيداً والقائم المخزونين عندها وهما إثنان ، ثمّ جعلَتْهما واحداً. وهذا هو الحكم الذي ذكرنا أنّه فِعْلٌ ، أي جَعْلٌ وإيجادٌ منها ، تحكي به الخارج.
فالحكم فعْلٌ من النفس ، وهو مع ذلك من الصور الذهنيّة الحاكية لما وراءها. ولو كان تصوّراً مأخوذاً من الخارج لم تكن القضيّة مفيدة لصحّة السكوت ، كما في أحد جزئي الشرطيّة. ولو كان تصوّراً أنشأتْه النفس من عندها من غير استعانة واستمداد من الخارج لم يحك الخارج. وسيوافيك بعض ما يتعلّق بالمقام (١).
وقد تبيّن بما مرّ أنّ كلّ تصديق يتوقّف على تصوّرات أكثر من واحد ، فلا تصديق إلاّ عن تصوّر.
الفصل التاسع
ينقسم العلم الحصولي إلى بديهيّ ونظري
البديهيّ ـ ويسمّى ضروريّاً أيضاً ـ ما لا يحتاج في حصوله إلى اكتساب ونظر ، كتصوّر مفهوم الوجود والشيء والوحدة ، والتصديق بأنّ الكلّ أعظم من جزئه ، وأنّ الأربعة زوج.
والنظريّ ما يحتاج ـ في تصوّره إن كان علماً تصورّيّاً ، أو في التصديق به إن كان علماً تصديقيّاً ـ إلى اكتساب ونظر ، كتصوّر ماهيّة الإنسان والفرس ، والتصديق بأنّ الزوايا الثلاث من المثلّث مساوية لقائمتيْن ، وأنّ الإنسان ذو نفس مجرّدة.
__________________
(١) راجع الفصل العاشر من هذه المرحلة.