الفصل الحادي عشر
في العلم الحضوريّ وأنّه لا يختصّ بعلم الشيء بنفسه
قد تقدّم (١) أنّ كلَّ جوهر مجرّد فهو لتمام ذاته حاضرٌ لنفسه بنفسه وهويّتِهِ الخارجيّة ، فهو عالم بنفسه علماً حضوريّاً.
وهل يختصّ العلم الحضوريّ بعلم الشيء بنفسه أو يعمّه وعلْمَ العلّة بمعلولها وعلْمَ المعلول بعلّته؟ ذهب المشاؤون إلى الأوّل (٢) ، والإشراقيّون إلى الثاني (٣) وهو الحقّ. وذلك لأنّ وجود المعلول وجودٌ رابطٌ بالنسبة إلى وجود علّته قائمٌ به غيرُ مستقلٍّ عنه بوجه. فهو ـ أعني المعلول ـ حاضرٌ بتمام وجوده لعلّته غيرُ محجوب عنها ، فهو بنفس وجوده معلوم لها علماً حضوريّاً إن كانا مجرّدين. وكذلك العلّة حاضرةٌ بوجودها لمعلولها الرابط لها القائم بها المستقلّ بإستقلالها ، فهي معلومة لمعلولها علْماً حضوريّاً إذا كانا مجرّدين ، وهو المطلوب.
وقد تقدّم (٤) أنّ كلَّ علْم حصوليٍّ ينتهي إلى علْم حضوريّ. ومن العلم الحصوليّ ما ليس بين العالم والمعلوم علّيّة ولا معلوليّة ، بل هما معلولا علّة ثالثة.
الفصل الثاني عشر
كلّ مجرّد فإنّه عقل وعاقل ومعقول
أمّا أنّه عقلٌ ، فلأنّه لتمام ذاته وكونِهِ فعليّةٌ محضةٌ لا قوّة معها يمكن أن
__________________
(١) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.
(٢) راجع التحصيل ص ٥٧٤ ـ ٥٧٥ ، وشرح الإشارات ج ٣ ص ٣٠٤. ونَسَبه إليهم صدر المتألّهين في الأسفار ج ٦ ص ١٨٠ ، والشواهد الربوبيّة ص ٣٩. ونَسبه إليهم أيضاً الحكيم السبزواريّ في تعليقاته على الأسفار ج ٦ ص ١٦٤ ، وانحصر نفسُه العلْمَ الحضوريّ في موردين : علم الشيء بنفسه وعلم الشيء بمعلوله ، راجع تعليقاته على الأسفار ج ٦ ص ١٦٠ وص ٢٣٠. وامّا انتساب هذا القول إلى أفلاطون أمرٌ خلاف الواقع ، كمافي الشواهدالربوبيّة ص ٥٥ ـ ٥٦.
(٣) راجع المطارحات ص ٤٨٨ ، والتلويحات ص ٧٠ ـ ٧٤ ، وشرح حكمة الإشراق ص ٣٥٨ ـ ٣٦٦.
(٤) راجع الفصل الأوّل من هذه المرحلة.