واحدة مشكّكة ذات مراتب مختلفة.
واُجيب (١) عن الشبهة بأنّها مبنيّة على انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة متباينة بما هي كثيرة متباينة وهو محال.
برهانٌ آخر (٢) : لو تعدّد الواجب بالذات وكان هناك واجبان بالذات ـ مثلا ـ كان بينهما الإمكان بالقياس من غير أن يكون بينهما علاقة ذاتيّة لزوميّة ، لأنّها لا تتحقّق بين الشيئين إلاّ مع كون أحدهما علّةً والآخر معلولا أو كونهما معلولين لعلّة ثالثة ، والمعلوليّة تنافي وجوب الوجود بالذات.
فإذن لكلّ واحد منهما حظٌّ من الوجود ومرتبةٌ من الكمال ليس للآخر. فذات كلّ منهما بذاته واجدٌ لشيء من الوجود وفاقدٌ لشيء منه ، وقد تقدّم (٣) أنّه تركُّبٌ مستحيل على الواجب بالذات.
برهانٌ آخر : ذكره الفارابيّ في الفصوص : «وجوب الوجود لا ينقسم بالحمل على كثيرين مختلفين بالعدد ، وإلاّ لكان معلولا» (٤).
ولعلّ المراد أنّه لو تعدّد الواجب بالذات لم تكن الكثرة مقتضى ذاته ، لاستلزامه أن لا يوجد له مصداق ، إذ كلّ ما فرض مصداقاً له كان كثيراً والكثير لا يتحقّق إلاّ بآحاد ، وإذ لا واحد مصداقاً له فلا كثير ، وإذ لا كثير فلا مصداق له ، والمفروض أنّه واجب بالذات. فبقى أن تكون الكثرة مقتضى غيره ، وهو محال ، لاستلزامه الافتقار إلى الغير الذي لا يجامع الوجوب الذاتيّ.
الفصل السادس
في توحيد الواجب لذاته في ربوبيّته وأنّه لارَبَّ سواه
الفحص البالغ والتدبّر الدقيق العلميّ يعطي أنّ أجزاء عالَمنا المشهود ـ وهو عالَم الطبيعة ـ مرتبطةٌ بعضها ببعض من أجزائها العلويّة والسفليّة وأفعالها
__________________
(١) كذا أجاب عنها صدر المتألّهين في الأسفار ج ٦ ص ٥٨ ـ ٦٢ ، وج ١ ص ١٣٣.
(٢) هذا البرهان ذكره صدر المتألّهين في الأسفار ج ١ ص ١٣٦
(٣) راجع الفصل السابق.
(٤) راجع الفصوص للفارابيّ ص ٤.