وأمّا شيءٌ من المفاهيم المنتزعة من الوجود ، فالذي للواجب بالذات منها أعلى المراتب غير المتناهي شدّةً الذي لا يخالطه نقص ولا عدم ، والذي لغيره بعض مراتب الحقيقة المشكّكة غير الخالي من نقص وتركيب ، فلا مشاركة.
وأمّا حمل بعض المفاهيم على الواجب بالذات وغيره ـ كالوجود المحمول باشتراكه المعنويّ عليه وعلى غيره ، مع الغضّ عن خصوصيّة المصداق ، وكذا سائر صفات الواجب بمفاهيمها فحسب ، كالعلم والحياة والرحمة ، مع الغضّ عن الخصوصيّات الإمكانيّة ـ فليس من الاشتراك المبحوث عنه في شيء.
الفصل الثامن
في صفات الواجب بالذات على وجه كلّي وانقسامها (١)
قد تقدّم (٢) أنّ الوجود الواجبيّ لا يسلب عنه كمال وجوديّ قطّ ، فما في الوجود من كمال ـ كالعلم والقدرة ـ فالوجودالواجب يّواجدٌ له بنحو أعلى وأشرف ، وهو محمول عليه على ما يليق بساحة عزّته وكبريائه ، وهذا هو المراد بالاتّصاف.
ثمّ إنّ الصفة تنقسم انقساماً أوّليّاً إلى ثبوتيّة تفيد معنى إيجابيّاً كالعلم والقدرة ، وسلبيّة تفيد معنى سلبيّاً ، ولا يكون إلاّ سلب سلب الكمال ، فيرجع إلى إيجاب الكمال ، لأنّ نفي النفي إثبات ، كقولنا : «مَنْ ليس بجاهل» و «مَنْ ليس بعاجز» الراجعَيْن إلى العالم والقادر. وأمّا سلب الكمال فقد اتّضح في المباحث السابقة (٣) أنّ لا سبيل لسلب شيء من الكمال إليه (تعالى). فالصفات السلبيّة راجعة بالحقيقة إلى الصفات الثبوتيّة.
والصفات الثبوتيّة تنقسم إلى حقيقيّة كالحيّ ، وإضافيّة كالعالميّة والقادريّة. والحقيقيّة تنقسم إلى حقيقيّة محضة كالحيّ ، وحقيقيّة ذات إضافة كالخالق والرازق.
__________________
(١) وإن شئت تفصيل اقسام صفات الواجب بالذات فراجع الأسفار ج ٦ ص ١١٨ ـ ١٢٥ ، وشرح المنظومة ص ١٥٧.
(٢) راجع الفصل الرابع من هذه المرحلة.
(٣) راجع الفصل الرابع من هذه المرحلة.