المادّة لذاته ، وليس العلم إلاّ حضور شيء لشيء ، والواجب (تعالى) منزّه عن المادّة والقوّة ، فذاته معلومة لذاته.
وقد تقدّم أيضاً (١) أنّ ذاته المتعالية حقيقة الوجود الصرف البسيط الواحد بالوحدة الحقّة الذي لا يداخله نقص ولا عدم ، فلا كمالَ وجوديّاً في تفاصيل الخلقة بنظامها الوجوديّ إلاّ وهي واجدة له بنحو أعلى وأشرف ، غير متميّز بعضها من بعض لمكان الصرافة والبساطة ، فما سواه من شيء فهو معلوم له (تعالى) في مرتبة ذاته المتعالية علماً تفصيليّاً في عين الإجمال وإجماليّاً في عين التفصيل.
وقد تقدّم أيضاً (٢) أنّ ما سواه من الموجودات معاليلُ له ، منتهيةٌ إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط قائمة الذوات به قيامَ الرابط بالمستقلّ ، حاضرةٌ عنده بوجوداتها ، غيرُ محجوبة عنه ، فهي معلومة له في مرتبة وجوداتها علماً حضوريّاً ، أمّا المجرّدة منها فبأنفسها ، وأمّا الماديّة فبصورها المجرّدة.
فتبيّن بما مرّ أنّ للواجب (تعالى) علماً بذاته في مرتبة ذاته وهو عين ذاته ، وأنّ له (تعالى) علماً بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذاته ، وهو المسمّى بـ «العلم قبل الإيجاد» ، وأنّه علمٌ إجماليٌّ في عين الكشف التفصيليّ؛ وأنّ له (تعالى) علماً تفصيليّاً بما سوى ذاته من الموجودات في مرتبة ذواتها خارجاً من الذات المتعالية ، وهو «العلم بعد الإيجاد» ؛ وأنّ علمه حضوريّ كيفما صُوِّر.
فهذه خمس مسائل.
ويتفرّع على ذلك أنّ كلَّ علْم متقرّر في مراتب الممكنات من العلل المجرّدة العقليّة والمثاليّة فإنّه علْمٌ له (تعالى).
ويتفرّع أيضاً أنّه سميعٌ بصيرٌ كما أنّه عليمٌ خبيرٌ ، لما أنّ حقيقة السمع والبصر هي العلم بالمسموعات والعلم بالمبصرات من مطلق العلم وله (تعالى) كلُّ علم.
__________________
(١) راجع الفصل الرابع من المرحلة الرابعة ، والفصل التاسع من هذه المرحلة.
(٢) راجع الفصل الخامس من المرحلة الثامنة ، والفصل التاسع من هذه المرحلة.