وللباحثين في علمه (تعالى) اختلافٌ كثيرٌ حتّى أنكره بعضهم (١) من أصله ، وهو محجوج بما قام على ذلك من البرهان.
وللمثبتين مذاهب شتّى :
أحدها : أنّ له (تعالى) علماً بذاته دون معلولاتها ، لأنّ الذات المتعالية أزليّة وكلّ معلول حادث (٢).
وفيه : أنّ العلم بالمعلول في الأزل لا يستوجب كونه موجوداً في الأزل بوجوده الخاصّ به ، على أنّه مبنيٌّ على انحصار العلم الحضوريّ في علم الشيء بنفسه وأنّ ما دون ذلك حصوليّ تابع للمعلوم ، وهو ممنوع بما تقدّم (٣) إثباته من أنّ للعلّة المجرّدة علماً حضوريّاً بمعلولها المجرّد وقد قام البرهان على أنّ له (تعالى) علماً حضوريّاً بمعلولاته قبل الإيجاد في مرتبة الذات وعلماً حضوريّاً بها بعد الإيجاد في مرتبة المعلولات.
الثاني : ما يُنسب إلى أفلاطون (٤) ، أنّ علمه (تعالى) التفصيليّ هو العقول المجرّدة والمُثل الإلهيّة التي تجتمع فيها كمالات الأنواع تفصيلا.
وفيه : أنّ ذلك من العلم بعدالإيجاد ، وهو في مرتبة وجوداتهاالممكنة ، وانحصار علمه (تعالى) التفصيليّ بالأشياء فيها يستلزم خلُوَّ الذات المتعالية في ذاتها عن الكمال العلميّ ، وهو وجودٌ صِرْفٌ لا يشذّ عنه كمال من الكمالات الوجوديّة.
__________________
(١) وهو بعض الأقدمين من الفلاسفة على ما في الأسفار ج ٦ ص ١٨٠ ، وشرح المنظومة ص ١٦٤ ، والمباحث المشرقيّة ج ٢ ص ٤٦٩ ـ ٤٧٥. وهم طائفتان : (الاُولى) من نفى علْمَه تعالى. و (الثانية) من نفى علْمَه بغيره. قال المحقّق الطوسيّ في شرح رسالة مسألة العلم ص ٢٧ : «وهذان المذهبان مذكوران في كتب المذاهب والآراء منقولان عنهم ـ أي القدماء ـ».
(٢) هذا القول منسوبٌ إلى بعض الأقدمين من الفلاسفة كمامرّ ، فراجع الأسفار ج ٦ ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ، وشرح المنظومة ص ١٦٤.
(٣) راجع الفصل الأوّل والفصل الحادي عشر من المرحلة الحادية عشرة.
(٤) نُسب إليه في الملل والنحل ج ٢ ص ٨٢ ـ ٨٩ ، والأسفار ج ٦ ص ١٨١ ، وشرح المنظومة ص ١٦٥ ، والجمع بين رأيي الحكيمين ص ١٠٥.